عندما ترفض أغلب البلدان المصدرة لعاملات المنازل تصدير عاملاتها، أو تضع شروطا ـ يراها البعض تعجيزية ـ في وجه مستوردي تلك العاملات، لا بد ان يكون هناك أسباب قوية دفعت السلطات المعنية في تلك البلدان إلى ذلك. لان هذه القرارات تكون صعبة على تلك البلدان لا سيما ان هؤلاء العاملات يساهمن بشطر معقول في ايرادات تلك الدولة من العملة الصعبة، بما تقوم به من تحويلات مالية تدعم اقتصادات بلدانها بشكل يؤدي إلى تحسين احد مصادر الدخل القومي لها وتعزيز جانب الايرادات في ميزانياتها العامة. ويكون هناك في الواقع مشكلة حقيقية متعلقة بذلك تتطلب البحث عن حلول عملية تستوجب النظر بشكل موضوعي إلى طرفي علاقة العمل.فقد اعلنت اندونيسيا ـ اكبر دولة اسلامية من حيث عدد السكان في 20 سبتمبر 2015، ان قرارها بمنع تصدير ايد عاملة منزلية إلى دول مجلس التعاون الخليجي بالاضافة إلى مصر ولبنان والاردن هو قرار نهائي ولا رجعة فيه. بل واعادة ما تبقى من عاملات منازل وسائقين إلى اندونيسيا بشكل نهائي في فترة اقصاها 15 شهرا.ولا يقتصر الأمر في هذا المجال على اندونيسيا، بل ان عددا من البلدان المصدرة للقوى العاملة المنزلية تضع شروطا شبه تعجيزية في تصدير القوى العاملة المنزلية، يأتي في مقدمة هذه الشروط رفع الرواتب ومنح مزايا أخرى بعدما تأكدت ان هذه القوى العاملة تلقى رواجا وقبولا كبيرا لدى الأسر في السلطنة، التي تجاوز عدد عاملات المنازل فيها 230 ألف عاملة حتى نهاية عام 2014م.وقد سبق ان قررت السفارة الفلبينية في السلطنة رفع سقف الحد الأدنى لراتب العاملة الفلبينية إلى 160 ريالا عمانيا. ووصلت الرسوم المطلوبة في سريلانكا لاستقدام عاملة منزل إلى ألفي ريال عماني. وتشترط السفارة الهندية إيداع كفالة نقدية عن كل عاملة منزل هندية قدرها 1200 ريال عماني في السفارة، إضافة إلى تسليم هاتف نقال إلى العاملة. كما توقفت العاملات المنزليات من النيبال منذ فترة.كل هذه العقبات والشروط ترهق كاهل المواطن الذي قد يضطر إلى البحث عن هذه العاملة من خارج السلطنة. وهذا بلا شك سوف يعقد المشكلة اكثر وذلك لعدم وجود ضمان استبدال العاملة في حالة رفضها للعمل أو هروبها خلال فترة الستة أشهر الأولى. والمعاناة التي تعاني منها الاسرة التي تضطر إلى الخضوع لتلك الشروط التعجيزية المجحفة.وكانت دراسة قام بها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات قد أشارت إلى أن عدد العاملات المنزليات الوافدات المسجلة للعام 2012م بلغت 224006 عاملات منازل تمثل نسبة 16% من إجمالي الأيدي العاملة الوافدة في العام 2012، تصدرتها أندونيسيا بعدد 23628 عاملة منزلية بنسبة تشكل الثلث من إجمالي الأيدي العاملة الوافدة في هذا القطاع. وأن 23% من الأسر العمانية تستخدم عاملات منزلية حسب تعداد 2010 بينما تستخدم 2% من الأسر الوافدة عمالة منزلية.وإذا كان هناك تشدد كبير من قبل البلدان الرئيسية في تصدير عاملات المنازل، فإن هناك ايضا بعض اللوم الذي يقع على بعض الاسر التي تستخدم عاملة منزل وافدة، مثل ضغط العمل الزائد من قبل الاسرة وكثر عدد أفراد بعض الاسر وبالتالي كثرة المطالب وتحميلهن فوق طاقاتهن في بعض الاوقات، حيث نشاهد رب الاسرة وقد عاد محملا سيارته من التسوق ويجلس داخلها وتنزل العاملة النحيلة الضعيفة لتحمل وترفع اثقالا لا يقوى على حملها احيانا الشاب الفتي. فضلا عن اوقات عملها الطويلة والمضنية في كثير من الاوقات والتي تبدأ قبل استيقاظ الاسرة وتنتهي بعد نومها. كما ان هناك مشاكل تأخير دفع رواتبهن ربما لأشهر، فضلا عن ارتكاب بعض افراد الاسرة لسلوكيات سيئة بحقهن مثل الضرب أو التجريح او التحرش. وان كان هناك في نفس الوقت عاملات يتركن العمل بدون أية اسباب.كما تتحمل مكاتب جلب الايدي العاملة شطرا من المشكلة في عدم اجراء الفحص الطبي فور وصول العاملة وتسليم صاحب عملها التقرير الطبي الذي يضمن خلوها من أي أمراض. وذلك ان هناك اسرا تفاجأ بعد تسلمها العاملة انها تعاني من عاهات أو أمراض معدية أو نفسية او تشوهات خلقية أو أعراض حمل. وهنا يجب على المكتب ان يضمن خلوها من كل ذلك لفترة معينة وإلا تم استبدالها بدون عراقيل وممحاكات.وعندما تجد اسرة عاملة امينة ومخلصة، يجب ان تراعي ذلك وتنظر إليها على انها انسانة وليست آلة، بمعنى الصفح عن بعض ذلاتها والتعامل بالرفق والحسنى معها. وان يدرك المرء ان هذه العاملة التي سخرها الله سبحانه له انما قد هجرت اسرتها وزوجها واطفالها واهلها ووطنها من اجل خدمته، فليكن رفيقا بها.ويجب الا يقتصر الامر هنا على النوايا والضمائر في التعامل مع عاملات المنزل. بل ان الامر ـ بلا شك ـ يتطلب تقنين هذا النشاط. بمعنى ان يتم إضافة فصل إلى قانون العمل كما هو الحال بالنسبة للجزء الخاص بالأيدي العاملة الوافدة، يحدد مهام ومسئوليات وواجبات وفي نفس حقوق عاملة المنزل، من حيث تحديد طبيعة وساعات عملها وأوقات راحتها وايام اجازتها أو تعويضها عنها. والجزاء الذي يتم توقيعه عليها حال مخالفتها المهام المحددة المنوطة بها المنصوصة عليها في القانون وانواع ودرجات تلك الجزاءات حسب المخالفات. وكما ان عليها التزامات وواجبات فهي في نفس الوقت لها حقوق يجب حمايتها، وانصافها في حالة سوء معاملتها أو ارتكاب مخالفات أو تجاوزات وانتهاكات بحقها. عندئذ ستكون الامور واضحة تماما بالنسبة للعاملة ولسفارة وقنصلية بلدها في السلطنة. ويكون القانون هو الفيصل في اي نزاعات متعلقة بالعاملات ـ كما هو الحال بالنسبة للأيدي العاملة الوافدة ـ وليس شروط ومطالبات سفارة أو قنصلية كل عاملة على حدة.وبعد اقرار مثل هذا الفصل في قانون العمل، وفي ظل هذا الاحتياج الكبير لعاملات المنازل والذي يوجد شحا في توفيرها بالشكل المرضي، يمكن البحث عن اسواق أخرى بديلة. وهنا يثور السؤال لماذا لا يتم التوجه إلى ميانمار (بورما سابقا) وبشكل خاص مسلمات الروهينجا، حيث تتعرض تلك الاقلية المسلمة لعمليات اضطهاد واسعة على يد الاغلبية البوذية. الامر الذي يدفع الكثير من ابناء تلك الاقلية للهجرة إلى بلدان اخرى، فكانت اول محطاتهم بنجلاديش المجاورة. لكنها اغلقت حدودها في وجوههم، مما دفعهم الى الهجرة عبر البحر الى ماليزيا وغيرها من بلدان جنوب شرق آسيا، ليتعرضوا في ذلك لعمليات غرق كثيرة أشبه بحالة الطفل السوري ايلان كردي، لكن دون التفات اعلامي وسياسي لمعاناتهم.وهنا يمكن تحقيق مصلحة متبادلة، بانتشالهن من التعذيب والتهجير واللجوء والمعاناة الشديدة التي يعشنها ليكون ذلك عملا اخلاقيا وانسانيا. وفي نفس الوقت الاستفادة منهن بتلبية حاجة كثير من الاسر العمانية التي تحتاج الى عاملات منازل. ومن خلال الاوضاع التي تعيشها تلك العاملات والمعاناة التي يتعرضن لهن، ستكون مطيعة ولينة العريكة، لأنها لمست وذاقت البديل قبل قدومها الى السلطنة، وهنا تتحقق جملة مصالح منها البعد الانساني والاخلاقي بإغاثتهن من التعذيب والاضطهاد والبعد الاسلامي الحضاري بكفالتهن وفي نفس الوقت المصلحة الوطنية بسد الحاجة من الأيدي العاملة المطلوبة في هذا المجال. مع التأكيد على حماية حقوقهن بموجب القانون وليس استغلالهن بسبب معاناتهن. كما يمكن ان يمثل ذلك نموذجا رياديا يمكن ان تحذو حذوه بلدان اخرى في منطقة الخليج العربي التي تعد من اكبر اسواق للقوى العاملة عامة والمنزلية خاصة.فهل يمكن للجهات المعنية باستقدام عاملات المنازل ادراج فصل في قانون العمل ينظم هذا النشاط ثم النظر إلى تلك الجهة وبحث امكانية استقدام عاملات منازل منها؟ السيد عبدالعليم [email protected]