(4) تقادم التزامات التجارنواصل قراءتنا في القانون التجاري العماني، ونخصص هذه المقالة للحديث في مفهوم التقادم في المسائل التجارية، مع الإشارة إلى مدة التقادم في المسائل المدنية... ويعرف التقادم بأنها مدة- عادة يحددها المشرع بمضيها، يمكن للشخص أن يكتسب الحقوق إذا وضع يده على مال معين، أو أنها قد تسقط الحق من شخص ما إذا مضت ولم يطالب بحقه... في المسائل المدنية القاعدة أن التقادم المسقط يكون بمضى خمس عشرة سنة، وقد صرحت بذلك المادة (340) من قانون المعاملات المدنية العماني، حيث جرى نصها بالآتي: "لا تسمع الدعوى بالتزام على المنكر بانقضاء خمس عشرة سنة بغير عذر شرعي مع مراعاة ما وردت فيه أحكام خاصة." ولذلك فإن الإلتزام المدني بمضي هذه المدة يتحول إلى التزام طبيعي أو كما يطلق عليه (واجب دينانة) وهذا التزام ناقص لوجود عنصر واحد فقط هو عنصر المديونية دون عنصر المسؤولية، بينما الإلتزام المدني يتوافر فيه العنصرين المديونية والمسؤولية... وعلى هذا فإن المدين باتزام طبيعي لا يجبر على تنفيذ التزامه، إذا لم يقم بتنفيذه اختيارا... وإذا قام بالوفاء به لا يعد تبرعا وإنما وفاء ما يشغل ذمته المالية. وإذا كانت القاعدة العامة تنص على أن التقادم المسقط يتحقق بمضى مدة خمسة عشر عاما... فكما هو واضح من نص المادة السابقة- هناك أحكام خاصة في بعض الحقوق تتقادم بمضى مدة أقصر (خمسة عشر عاما)... هذه الأحكام بينتها المادتان (341)، (342) على التوالي من قانون المعاملات المدنية... فالتقادم المسقط وفق هذه الأحكام هي: (1) الحقوق الدورية المتجددة تتقادم بانقضاء (عشر سنوات). (2) حقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء والأساتذة والمعلمين والوسطاء المستحقة لهم عما أدوه من أعمال مهنتهم أو حرفتهم وما أنفقوه من مصروفات يكون بانقضاء (خمس سنوات). (3) ما يستحق رده من الضرائب والرسوم إذا دفعت بغير حق تكون بانقضاء (خمس سنوات). (4) حقوق التجار والصناع عن الأشياء التي وردوها لأشخاص لا يتاجرون في هذه الأشياء، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة أو عن الطعام تكون بانقضاء (خمس سنوات). (5) حقوق العمال وخدم المنازل والأجراء من أجور يومية وغير يومية، تكون بمضى (خمس سنوات)... أما في المسائل التجارية، فإن المشرع التجاري جعل مدة التقادم الخاصة بالتزامات التجار المتعلقة بالأعمال التجارية (عشر سنوات) تبدأ من حلول ميعاد الوفاء بتلك الالتزامات مع مراعاة نصوص القانون الأخرى إذا كانت قد حددت مددا أقصر من هذه المدة... وهذا ما صرحت به المادة (92) من القانون التجاري العماني "تتقادم إلتزامات التجار المتعلقة بأعمالهم التجارية قبل بعضهم البعض بمضي عشر سنوات من تاريخ حلول ميعاد الوفاء بهذه الالتزامات إلا إذا نص القانون على مدة أقل... وتسقط بمرور عشر سنوات الأحكام النهائية الصادرة في المنازعات الناشئة عن الالتزامات التجارية المشار إليها في الفقرة السابقة." ومن أمثلة الحالات التي حدد لها المشرع التجاري مدة أقصر من مدة عشر سنوات هي: (1) دعاوى الكمبيالة: تتقادم تجاه قابلها بمضي (ثلاث سنوات) من تاريخ الاستحقاق (المواد من (514) وحتى (516)). (2) دعاوي السند لأمر: مدة التقادم تتراوح ما بين (ثلاث سنوات وستة أشهر). (3) الدعاوى الخاصة بالشيك: تتقادم بمضي (سنة) من تاريخ انتهاء ميعاد تقديم الشيك (انظر المادة (561) من القانون التجاري العماني)... خلاصة القول يلاحظ أن مدة التقادم في المسائل التجارية أقصر من مدة التقادم قي المسائل المدنية... والسبب في ذلك واضح يتمثل في رغبة المشرع في وضع حد للنزاعات التي تنشأ بين التجار وضرورة حسمها بأسرع وقت وفي مدة تتناسب وطبيعة الأعمال التجارية... هذه قراءة سريعة لمفهوم التقادم، وللمزيد من الإيضاح يمكن للقارئ الرجوع إلى القانون التجاري العماني والقوانين ذات الصلة... قراءتنا القادمة- إن شاء الله- في موضوع آخر ضمن أحكام القانون التجاري.الدكتور سالم الفليتيأستاذ القانون التجاري والبحري المساعد- كلية الزهراء للبناتمحام ومستشار قانونيكاتب وباحث في الحوكمةوالقوانين التجارية والبحرية والإتفاقيات الدولية[email protected]