[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
على الرغم من تحالف التيارين الانبعاثيين الإسلامي والقومي طوال القرن الزائل تقريباً، فقد كان قدر هذا التحالف هو الانفراط، بسبب التباينات الآيديولوجية والاختلاف في البرامج السياسية والأهداف النهائية. أما مسألة تواصله طوال القرن الماضي على وجه التقريب، فمرده انتهازي بامتياز. لقد هيمنت الأنظمة القومية على السلطات عبر أغلب دول العالم العربي لأسباب عدة، منها: (1) محاكاة نموذج الدولة القومية الأوروبية؛ و(2) تتبع خطى تركيا الحديثة بعد انعتاقها من الإرث العثماني الخانق نحو التحديث والتغريب، زد على هذين العاملين أهم العوامل، وهو(3) تشجيع بريطانيا هذا النوع من الأنظمة والحركات السياسية عبر مساعدة لندن لهذه القوى لتسنم السلطة، رغبة في التغطية على نكثها لوعودها للعرب بالمساعدة على تأسيس مملكة عربية موحدة عبر المشرق العربي.
بيد أن على المرء الاعتراف بأن أصل عقدة التناقض الفكري والمبدئي، بين التيارين الإحيائيين القومي والإسلامي، يعود إلى البدايات الفكرية الأولى لما سمي، تعسفاً، بـ"النهضة العربية الإسلامية" في القرن التاسع عشر، وهي يقظة فكرية نخبوية، وليست شعبية حقة، استوحت بداياتها من مقارنات أقرب للسذاجة بين تخلف الشعوب الإسلامية، من ناحية، وبين التقدم الذي أحرزته الأمم الأوروبية الحديثة. والطريف في الأمر، هو أن أعمال أساطين هذه النهضة وهم: رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873) وخير الدين التونسي (1820-1890) وجمال الدين الأفغاني (1838-1897) وتلميذه محمد عبده (1849-1905)، لم تبد لتميز على نحو دقيق بين "العربي" و "الإسلامي"؛ وكأنهما لفظان مترادفان. لذا فقد تم استعمالهما في كتابات هؤلاء "الأساطين" الفكرية على نحو مترادف لتأشير مدلول واحد.
وإذا كان قرن العربي بالإسلامي يعود إلى التراث الأموي تاريخيًّا، بسبب اعتزازهم بالولاء القومي وتحاملهم على "الموالي"، فإنه لم يخل من الآثار المهمة تاريخيًّا بقدر تعلق الأمر بالصراعات والجدالات السياسية الإسلامية، الأمر الذي مهد الطريق لظهور ما يسمى بـ"الحركة الشعوبية" التي ركزت على إبراز مثالب العرب للنيل منهم.
وقد أسهم ابن تيمية في حقبة لاحقة في تقوية هذا الإرباك الناتج عن المزج بين القومي والديني لأن كراهيته للأجنبي قد ترجمت على أنها تنبع من تعصبه للعرب بسبب تأمله بلوغ دولة خلافة جديدة على أنقاض خلافة بغداد بعد الفتك بها سنة 1258م من قبل المغول التتار. لذا كرس ابن تيمية المزج المربك الذي تناهى حتى القرن العشرين حيث امتطت الأنظمة القومية الحاكمة الحركات الإسلامية على نحو انتهازي لمغازلة العالم الغربي من خلال توظيف الحركات الإسلامية في محاربة الحركات اليسارية والشيوعية.
بيد أن هذا التوظيف البراجماتي كان دائماً ما يصطدم بأسباب الافتراق والتناقض، خاصة عندما يشعر القوميون، وهم على رأس السلطة، إن الحركات الإسلامية راحت تشكل خطراً على بقائها في السلطة، بدليل مافعله الرؤساء عبد الناصر والسادات ومبارك بجماعة الإخوان المسلمين عندما تخطت الجماعة خطوطاً حمراء معينة.