[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]

” .. بعد مرور ثلاث سنوات على هبوب رياح (الربيع)؛ تم خلالها انعقاد قمتين عربيتين: منها قمة بغداد التي لم يشعر بها أحد ولا حققت الهدف المرجو من انعقادها وهو عودة الاستقرار للعراق نتيجة الدعم والاعتراف العربي بالنظام القائم هناك، بل إن الوضع ازداد سوءا ونزيف الدم ومسلسل العنف والدمار في العراق لا يريد أن ينتهي، وتسارعت وتيرته بسيطرة المتطرفين على مدن ومحافظات بأكملها.”
ــــــــــــــــــــــــــــــ
في مارس 2010م عُقدت آخر قمة عربية ـ قبل اشتعال أحداث ليبيا ـ في سرت الليبية بحضور 16 رئيس دولة وغياب 6 رؤساء واختار عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عنوانا لهذه القمة "دول الجوار" ووضع إيران وتركيا على رأس دول الجوار المطلوب إقامة حوار عربي معها لرسم شكل العلاقة المستقبلية بينها وبين الدول العربية، وكان رئيس الوزراء الإيطالي وقتها بيرلسكوني صديق القذافي ومعه رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي ضيوفاً على القمة ولم تكن علاقة أردوغان بالرئيس السوري بشار الأسد قد تدهورت بعد، بينما غاب عن القمة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بسبب الجراحة التي أجراها في ألمانيا، كما غاب ملك المملكة العربية السعودية عبدالله بن عبدالعزيز بسبب العلاقات المتوترة مع القذافي، وكانت هذه آخر قمة يحضرها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي دعا لإقامة الاتحاد العربي على غرار الاتحاد الأوروبي.
وكالعادة أكد القذافي انحيازه للوحدة مع إفريقيا ونجح في تبني عقد قمة عربية إفريقية تم عقدها بدونه بعد ذلك في الكويت، وتمسكت دول الخليج بطلبها المتكرر بتبعية جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى للإمارات، وطلب أبو مازن دعم القضية الفلسطينية والمصالحة ومبدأ حل الدولتين، وطلب العراق استضافة القمة الثالثة والعشرين ومساندته في حربه على الإرهاب، وطلب الرئيس السوري إيجاد آلية لإدارة الخلافات العربية فعلاقته بالسعودية كانت بدأت تسوء بسبب تحالفه مع إيران وحزب الله وسياساته تجاه لبنان الذي أُجبر على الانسحاب منه ـ بعد 30 سنة من التواجد العسكري تنفيذاً لاتفاق الطائف ـ ونفس الشيء مع مصر الذي طالما اتهم بشار الأسد رئيسها حسني مبارك بالتخلي عن خيار المقاومة وخضوعه لإملاءات أميركا وإسرائيل.
وتم التطرق على استحياء لملفات التغيير والديمقراطية والحرية والمطالب الاقتصادية والاجتماعية والشباب والبطالة، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومقاومة الفقر في العالم العربي وتقرر إحالتها للقمة الاقتصادية التي عقدت بعد ذلك في شرم الشيخ المصرية.
ولم يفطن المجتمعون لما يخبئه القدر لكثير من المجتمعين من ثورات واضطرابات أطاحت بأنظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولا المصير البائس الذي لاقاه صاحب الدعوة للقمة العقيد معمر القذافي الذي كانت نهايته مأساوية بعد انقضاء القمة بشهور قليلة، ولا المآل الدامي للصراع الممتد حتى الآن في سوريا والذي كاد يتحول لحرب أهلية تمزق سوريا برعاية عربية وإقليمية ودولية والذي لا يبدو في الأفق القريب نهاية له .
وبعد مرور ثلاث سنوات على هبوب رياح (الربيع)؛ تم خلالها انعقاد قمتين عربيتين: منها قمة بغداد التي لم يشعر بها أحد ولا حققت الهدف المرجو من انعقادها وهو عودة الاستقرار للعراق نتيجة الدعم والاعتراف العربي بالنظام القائم هناك، بل إن الوضع ازداد سوءا ونزيف الدم ومسلسل العنف والدمار في العراق لا يريد أن ينتهي، وتسارعت وتيرته بسيطرة المتطرفين على مدن ومحافظات بأكملها.
وفي قمة الدوحة الأخيرة كانت السابقة التي لم تحدث من قبل بدعوة وفد المعارضة السورية الخارجية للجلوس على مقعد سوريا في الاجتماعات بعد تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية ـ رغم خلو لائحة الجامعة من بند بهذا الشكل، وسيطرة الجيش السوري على معظم الأراضي السورية خصوصاً في العاصمة دمشق، ولم يؤد هذا الموقف العربي المنحاز للمعارضة لحسم الصراع المسلح على الأرض لصالح هذه المعارضة، بل زاد الوضع تعقيداً واتسع نطاق التدخل الأجنبي وأصبح الاحتراب الدائر على الأراضي السورية بؤرة جاذبة للمتطرفين من كل أنحاء العالم؛ لدرجة أثارت قلق حتى أعداء الرئيس السوري بشار الأسد خشية اتساع الصراع ليشمل المنطقة برمتها وازدياد شوكة الجماعات الإرهابية، وعودة تنظيم القاعدة العدو المعلن لأميركا والغرب ولم يعد باستطاعة أحد التفرقة بين الجيش السوري الحر الذي يرونه معتدلاً وبين جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيين.
وفي المغرب العربي تعيش ليبيا فوضى ما بعد القذافي ويطاردها شبح التقسيم والحرب الأهلية، وتونس تحبو على طريق الاستقرار ببطء فقد احتاجت ثلاث سنوات للتوافق على الدستور ولا ندري كم من الوقت ستستغرقه حتى انتهاء المرحلة الانتقالية وظهور معالم الدولة الجديدة.
بينما أفلتت الجزائر مما أصاب جيرانها من اضطرابات وثورات بتجاوب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مع المطالب الشعبية بتوفير فرص التوظيف للشباب وزيادة الدعم والمساعدات للطبقات المحتاجة والفقيرة وساعده الشعب الجزائري ـ الذي عانى طويلاً من إرهاب التسعينيات ـ بانحيازه للدولة فاختار الاستقرار والإصلاح المتدرج طريقاً للتغيير.
ونجح محمد السادس ملك المغرب في الخروج ببلده من العاصفة بتوسيع دائرة الديمقراطية والمشاركة بعمل دستور جديد أعطى رئيس الوزراء كثيراً من الصلاحيات التنفيذية التي كانت بيد الملك، واختار عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذراع السياسي لحركة التوحيد والإصلاح الإسلامية والحاصل على أغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر 2011 عقب إقرار الدستور الجديد ـ لتشكيل الحكومة ذات الصلاحيات الواسعة ورغم المطبات الصعبة استطاع المغرب الصمود في وجه الرياح العاتية التي حاولت العصف بمقدراته.
وما زال اليمن ـ بعد مرور ثلاث سنوات وتنحي علي عبدالله صالح ـ يكافح للخروج من نفق الصراعات الحزبية والمناطقية والقبلية حتى الآن حتى بعد إقرار وثيقة الحوار الوطني واعتماد النظام الفيدرالي الرئاسي الذي حول اليمن لـ 6 أقاليم فيدرالية يصعب التكهن بمستقبلها.
وليس من يمن الطالع أن ينفصل جنوب السودان في خضم انشغال العرب بالربيع وتفقد الخريطة العربية جزءا من ظهيرها الإفريقي.
واستطاعت دول الخليج التعاطي مع رياح الربيع التي هبت في شتاء 2011م بتوفير آلاف فرص العمل للشباب وزيادة المرتبات واستحداث آليات لمكافحة الفساد، وتمكين الجيل الجديد من شغل كثير من المناصب القيادية ومضاعفة الاهتمام بالرعاية الاجتماعية ودعم الفئات الفقيرة.
وبفضل هذا الاستقرار أصبح لدول الخليج الهيمنة والكلمة المسموعة بجامعة الدول العربية فهي الممول الرئيسي لميزانيتها والداعم الأساسي لمؤسساتها، خصوصاً بعد الاضطرابات التي عمت مصر دولة المقر وتحالف الأردن والمغرب مع مجلس التعاون الخليجي، وانشغال سوريا وليبيا وتونس واليمن ولبنان والعراق والسودان وموريتانيا والصومال بمشاكلها الداخلية .
وبقيت الجزائر تحاول إحداث التوازن خصوصاً في الأزمة الليبية فتحفظت على استخدام مظلة جامعة الدول العربية لاستدعاء حلف الناتو لتوجيه ضربات جوية أدت لإسقاط نظام القذافي، ووقفت في وجه التدخل العسكري الأجنبي في الأزمة السورية ولكن الجامعة في انتظار تعافي بقية الشركاء لتخرج مواقفها متوازنة.
وعلى الأبواب قمة عربية جديدة مزمع انعقادها في 25 و26 مارس القادمين بالكويت ولا ندري حجم الأضرار التي أصابت العمل العربي المشترك ولا مساحة الدور الذي بقي للجامعة بعد كل ماتعرض له العالم العربي خلال الـ 3سنوات الماضية من كبوات تهدد وجوده ووحدة أراضيه وانشغال نصف دوله بهمومها ومشاكلها الداخلية.
فهل تشهد قمة الكويت جديداً في القضايا المطروحة عليها ونجد أثراً للمواطن العربي: مشاكله وهمومه وأحلامه وطموحاته؟!. بعدما تعذر توحيد رؤى ومنطلقات الأنظمة والحكومات المشغولة بالصراع على السلطة غير مدركين للتحولات الدراماتيكية التي طرأت على الإنسان العربي الذي لم يعد يطيق الصبر ولا يؤمن بجدوى الصمت والسكون وأصبحت عينه مفتوحة تراقب عن آخرها ولا ترضى الظلم ولا تسكت عن (الحال المايل) ولا تعتبر المطالبة بالحقوق حماقة أو خروجاً عن مقتضى الأدب؟!.