تقترب القصيدة العامية أو الشعبية اكثر ما تقترب من اللهجة العامية كأرضية تتكئ عليها وتنطلق منها لذا فهي تأخذ منها مفرداتها ورسم كلماتها وطريقة نطقها وفق ما يحدثه تركيب الكلمات وعلاقتها ببعضها البعض لإنتاج معنى دلالي للكلام المراد قوله أو توصيله. ونحن نرى في لغة حديثنا اليومية ان هناك فجوة كبيرة بين اللغة العامية التي نتحدث بها وبين اللغة الفصحى التي نكتب بها. فاللغة العربية الفصحى (القديمة) قد وضعت لها قواعدها التي قعدت وأسست لها طريقة رسم حروفها ومفرداتها نحويا وإملائيا. وأول ما بدأ التدوين للهجة العامية او للقصيدة العامية بالتحديد كان هناك فريق قام باستعارة قواعد اللغة العربية الفصحى لتوصيل هذه اللغة المحكية الحديثة واصبحت تكتب بالقواعد الإملائية للغة الفصحى ولكن تنطق باللهجة العامية، مما اوجد فجوة لغوية بين ما ينطق وبين ما يكتب، فمن سلبيات الاعتماد على الكتابة الإملائية الفصحى انه هناك احيانا كلمات بالعامية تؤكل فيها الحروف أثناء النطق بينما أثناء الكتابة الفصحى تكتب وتثبت بالكتابة فيحدث نطقها أثناء الكتابة كسرا عروضيا، وهذه مشكلة وقع فيها الكثير من المحققين للدواوين الشعبية حيث وقعوا في الكثير من المشاكل الاملائية في طريقة رسم الكلمات إذ لم يوفقوا في كتابة الجمل والمفردات بما يتناسب ونطقها باللهجة العامية مما ادى إلى حدوث الكثير من الكسور الوزنية في الأبيات الشعرية اثناء قراءتها، ومثاله قول عامر بن سليمان الشعيبي (1):

بالحل عن ريم ٍ صدفني وهدني
عزم يسد الجامع ويزيده ْشكله
قلت له مقامي داخل ليش تردني
قال لي مقامك عن حجرنا حوله
فنحن نرى في البيت الثاني في كلمتي ( قلت له ) و ( قال لي ) قد كتبت كما نراهما الآن لكن النطق الحقيقي للكلمتين بما يتناسب ووزن القصيدة التي أتت على بحر فن الرزحة والذي يماثل بحر الرجز، النطق الحقيقي لكل من الكلمتين هو كالتالي :

قلت له : قتله
قال لي : قلي

فنحن نرى في كلمة ( قلت له ) قد أكل حرف اللام ليصبح ( ِقتله ) ، و (قال لي ) بأكل حرف الألف لتصبح ( قـَلي ) ، لكن الكتابة الإملائية في التحقيق قد أثبتت هذي الحرفين مما يحدث كسرا حين نطقه .
و لنا مثال آخر في ديوان الماجدي بن ظاهر(2) الذي عني بجمعه وتحقيقه وشرحه حمد ابو شهاب وابراهيم أبو ملحه، حيث نرى في الكثير من قصائد هذا الديوان أن محققي الديوان وقعوا في الكثير من الأخطاء الإملائية في كتابة الأبيات ورسم الكلمات، سواء بالكتابة او التشكيل الإملائي، رغم الجهد الجميل الذي قاما به في محاولة رسم الكلمات بما يتناسب ونطق المفردات عاميا ، لكن عدم وجود قاعدة املائية قادهما ايضا إلى الوقوع في اخطاء تشكيلية في قراءة البيت قراءة سليمة، حيث ان الكثير من رسم وتشكيل الكلمات يقود مباشرة إلى قراءة البيت قراءة غير سليمة عروضيا مما يؤدي إلى حدوث كسر عروضي اثناء القراءة طبقا لما يمليه الرسم :

اخاف إمن الروات السامعين
و قول الناس شان الله افلاني
و لا يافيت خلٍ لي امْود
و لا صافيت حدٍ ما اهتواني
المشكلة في البيتين السابقين يقع في طريقة رسم ألف الوصل وألف القطع ، فلا أجد أي مبرر في رسم ألف القطع في البيت الأول (اخاف إمن ..) ، فوجود الف القطع هنا يكسر البيت والصحيح عدم وجودها مع تسكين حرف الميم في حرف الجر (من ) فتصبح كالتالي ( اخاف ْمن .. ) ليستقيم قراءة البيت قراءة سليمة حيث ان البيتين من القصيدة على بحر الوافر، هذا غير الخطأ الإملائي في كلمة ( الروات = الرواة ) ، و كذلك وجود ألف الوصل قبل كلمة ( افلاني) فهي ( فلاني = فعولن ) و ليست ( افلاني ) مع تسكين الهاء في كلمة (اللهْ) ، ونفس الكلام يقال في البيت الذي يليه في كلمة ( امْود) فلا لزوم لوجود الألف هنا كما ان حرف الميم متحرك و ليس ساكنا ( مود = فعو ) ، و الكتابة السليمة للبيتين هي كالتالي :
اخاف ْمن الرواة السامعين
و قول الناس شان اللهْ فِلاني
و لا يافيت خلٍ لي مود
و لا صافيت حدٍ ما اهتواني

وما سبب هذه الفجوة الا الجمود الذي تعيشه اللغة العربية الفصحى وعدم قدرتها على اللحاق بالتحول والتطور الذي تعيشه اللهجات العامية التي صارت تجترح مسارات وسياقات كلامية جديدة لم يستطع التقعيد القديم ان يجاري فيه هذا التطور والتحول. بينما اتخذ فريق آخر شكلا املائيا مختلفا معتمدا على النطق الحرفي للمفردة دون مراعاة القواعد الاملائية الفصحى في رسم المفردة والذي اعتمد اعتمادا مباشرا على ان ما ينطق يكتب و ما لا ينطق لا يكتب و اعتماد النطق المباشر ، حيث ان في بعض اللهجات ينطق حرف القاف جيما و ينطق حرف الجيم ياء والضاد ظاءً و ينطق حرف الكاف شيناً او ما يسمى بالكشكشة (2) أو الشنشنة، و لنأخذ مثالا على ذلك من ديوان أغاريد البحر و البادية للشاعر محمد بن جمعة الغيلاني (3) :
يا طير يا طاوي المسافات بجناح
انته حثيث السير و البعد تقصيه
بلغ و هات السر لتكون بياح
واحفظ كنينٍ لا على الغير تبديه
جيس وتجيس في حمى الدار وارتاح
هات بعلوم الشره وهات نابيه
عندي وليفٍ في قصى البعد مزاح
لمـفارجنه كيفن النـوم يهييه
لنلاحظ المفردات التالية و طريقة كتابتها :

لتكون : لا تكون
جيس : قيس
لمفارجنه : لمفارقنه
يهييه : يجيه
ان هذا التحول الذي تعيشه اللهجات العربية لا بد له من تقعيد كتابي يوثق سير هذه اللهجات و طريقتها في نطق الحروف شفويا و ايجاد رسم حروفي يتناسب و النطق الشفوي للمفردات بحيث نتمكن من توثيق الانتاج الكتابي المكتوب باللغة العامية كمستوى لغوي وادبي لارتباط اللغة بالسلوك البشري والنشاط الذهني وقدرته على انتاج لغة كلامية مرتبطة بخفايا الطبيعة الانسانية وقدرة العقل البشري . اذ اننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال تجاهل هذا التحول اللغوي والكلامي وتجاهل توثيقه لغويا كون ان اللغة هي كائن متطور ايضا وتوقفها عن التطور يصيبها بالجمود والتكلس، ولكون اللغة ايضا مرتبطة بالمجتمع وما ينتج عنه من أدب مكتوب لفهم حقيقة الحياة وطبيعة المجتمعات، وهذا يذكرنا بالمجتمعات العربية القديمة التي كانت مجتمعات شفوية اكثر منها كتابية حيث انتقلت من طور المشافهة الى طور الكتابة موثقة لتجربتها الكتابية والشعرية.
ما يحدث في اللغة العربية الفصحى ان طريقة نطق الحروف والمفردات تتوافق مع الرسم الكتابي لهذه المفردات توافقا إملائيا ونحويا الا ما ندر في بعض الحروف التي تكتب ولا تنطق والتي وضعت لها قواعدها هي الأخرى. لكن ماذا بشأن القصيدة العامية أو الشعبية التي يجد فيها قارئها ذاك البون الشاسع بين المنطوق والمكتوب، ألا يتحتم أن توجد اللهجة العامية او القصيدة العامية أن توجد لها رسم حروفها الإملائية التي تمثل طريقة نطقها لمفرداتها؟! . ان للقصيدة العامية كما للقصيدة الفصحى بحورها الشعرية التي تبنى وتكتب عليها المفردات والأشطر الشعرية كما ان لها قواعدها المتعارف عليها (عرفا) وليس تقعيدا. إن ما يحدث في الكثير من الأحيان ان الرسم الكتابي والإملائي للقصيدة الفصحى لا يتناسب مع النطق العامي للقصيدة الشعبية مما قد يؤدي الى حدوث مشاكل وزنية عروضية قد تخل في الايقاع العروضي للبيت الشعري واحيانا في توصيل المعنى.

محاولات الخروج من المأزق
المقالة هنا ليست دعوة الى اختراع مفردات او حروف جديدة تتناسب وهذه القصيدة او اللغة المحكية وإنما في لغتنا العربية الموروثة مساحات رحبة تجعلنا نستطيع ان نوجد منها شكلا كتابيا جديدا يتناسب وهذا الشكل الشعري، وربما ايضا من خلال قواعد هذه اللغة العربية الفصحى بالإمكان التقعيد للقصيدة العامية.
ولا يفوتني هنا ان اذكر محاولة الشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل الذي حاول ايجاد صيغة كتابية لكتابة القصيدة العامية اللبنانية والذي ذهب إلى استعارة الحروف اللاتينية لتوصيل اللغة المحكية. وكل هذه ليست الا محاولات لإيجاد صيغة املائية وشكلية لهذه التجربة العامية.
وكما ذكرت سابقا ففي لغتنا العربية الفصحى الأم مندوحة دون الحاجة إلى استعارة حروف لاتينية او من اي لغة أخرى كما ذهب إلى ذلك سعيد عقل، في ظل غياب اي تقعيد او تجاهل كتابي للهجات العامية، فكل ما علينا فعله حاليا هو ان نجد مخرجا مؤقتا وسويا في كتابة القصيدة العامية، مخرجا يوفق بين النطق الكتابي للمفردة العامية وبين ضوابط اللغة الفصحى، مخرجا وسطا ووسيلة يمكننا التعارف عليها في ايجاد صيغة كتابية كلامية تجمع بين الأثنين وتمكننا من توصيل القصيدة العامية دون الإخلال بطريقة قراءتها ونطقها.
فمن ضمن هذه المحاولات كتابة الحروف أو الكلمات كما ننطقها تحريكا وتسكينا، فكما نعلم ان اللغة العامية المحكية تميل اكثر الى التسكين منه الى التحريك وهنا بإمكاننا الاستعانة بالتشكيل الإملائي للحروف لضبط نطق المفردة طبقا لسياق الجملة وما تنتجه من معنى.
ومثالنا على ذلك القصيدة العامية اللبنانية التي اوجدت رسمها الاملائي الخاص بها والمتناسب مع النطق العامي للمفردة وذلك بتطويع الحروف العربية الفصحى طبقا للنطق العامي ولنأخذ هنا قصيدة للشاعر اللبناني موسى زغيب (4) للتدليل على الفكرة :

طلّت .. ببدله متل بدلة شجر أيلول
الْمن كم ورقه على الداير معرايه
والعنق مدري تلج مدري دهب مشغول
والشوق يحكي إلي بعيونها حكايه
وتفلّت زرار الصدر من عروة المريول
ويزرع بعيني العطش نظره بألف غايه
وتُصرخ طيور التلج من خوفها و تقول
دخلك اتركني بريئه متل ما جايه
وإتكي بكذب النعس عا وردها المخجول
إحلم بشمّه من الورده المندّايه
وما تقول كنّو الطلب مرفوض أومقبول
تا يذلّ نَفسو الطلب و يصير ترجايه

لنتأمل في القصيدة و المكتوبة على بحر البسيط من باب (الشروقي) (5) ،لنتأمل ونلاحظ في البداية طريقة رسم وكتابة بعض المفردات الفصحى في أصل نطقها والتي رسمت كتابة للتناسب مع النطق العامي :
بدلة : بدله
ذهب : دهب
ورقة : ورقه
ثلج : تلج
حكاية : حكايه
كنه : كنو
نفسه : نفسو
مثل : متل

لنلاحظ في البدء ان مفردات من قبيل ( ورقة ، حكاية ، غاية ) لم تكتب بالتاء المربوطة في نهاية كل كلمة وانما استعيض عنها بالهاء المسكنة و ذلك ليتناسب والنطق العامي، وقافية العجز بأكملها جاءت هائية والتي من المفترض ان تكتب بالتاء المربوطة في نهاية الكلمة ولكنها كتبت بالهاء المسكنة. ولنلاحظ ان كلمة (بدلة) تكررت في البيت الأول مرتين فكتبت مرة بالتاء المربوطة وتارة بالهاء المسكنة وذلك طبقا للنطق، وتباعا لذلك باقي المفردات التي اوردتها نماذج اعلاه .
القصيدة اعلاه هي مثال للرسم الكتابي للقصيدة العامية بما يتناسب والنطق للهجة المحكية، وهذا ما بإمكاننا فعله في كتابة اي قصيدة شعبية او عامية، فبإمكاننا ان نخترع رسم حروفها بما يتناسب والنطق المصاحب للغة المحكية مستعينين بالتشكيل أعلى الحرف من فتح وكسر وضم وسكون وتنوين.
لنأخذ هنا مثالا آخر من قصيدة للشاعر العماني حمود بن وهقة (6) ونحاول ان نكتبها طبقا للنطق العامي للهجة المحكية او للقراءة العامية الأقرب للهجة العمانية :

يا جرحك ... اللي لحد الحينه معلّم
أقبل على حارتك .. والنيه النيه

مريت عندي شغل قلت أخطف اسلّم
يعني مثل ما يقولوا : حايه وحيّه !!

في ابيات حمود السابقة نجد مثالا اقرب للرسم السليم للحروف الأقرب للنطق العامي ، دون الحاجة الى تكلف الرسم الاملائي النحوي الفصيح ، لنلاحظ رسم الكلمات في ( الحينه ، النيه ، حايه ( حاجه) ) فقد كتبها الشاعر كما تنطق في اللهجة المحلية . وهذه الفكرة و مثلها بإمكاننا ان نطبقها على الكثير من قصائدنا الشعبية.
لنحاول ان نطبقها ايضا في المقطع الشعري المكثف التالي للشاعر حمود الحجري (7) والذي سأعيد رسم كتابته بما يتناسب والنطق العامي :

توقظ أشيا
كثر فيني نايمه
ريحتك
بعد المطر

لنرى طريقة رسم المفردات في (أشيا، نايمه) والتي هي (أشياء ، نائمة ) و لكن نطقها العامي اوجد طريقة رسم أخرى مختلفة لهذه الكلمات .

اللغة بين الثبات و التحول
ان نزوع الشاعر الحديث نحو التجريب ونحو خلق لغة تشبهه وتشبه انفعالاته وتوتره جعله يتجاوز المفهوم التقليدي للغة وتقعيداتها اللغوية فالشاعر الحديث قد تجاوز الكثير من قواعد الصرف والنحو والإملاء ربما في كتابة ورسم قصيدته الحديثة وربما هي صفة أصبحت تغلب على أكثر ما يكتب من شعر حديث، و"الخروج على القانون هو قدر القصيدة الجيدة " و الشعر يحدث " عشرات الانفجارات الصغيرة داخل اللغة فتتكسر العلاقات المنطقية بين الكلمات و يتغير مفهومها القاموسي والاصطلاحي" (8) ، فمن أجل هذا اصبح الشاعر يبحث عن لغة تشبهه وتقدمه للقارئ وتقدم ثقافته المعاصرة وتحولاته اللغوية، وما الثبات سوى حالة من الركود يرفضها منطق الشعر ومنطق اللغة ، فالشاعر " يبحث عن لغة ترفض التصور المنطقي، وتناقض في بعض الأحيان التركيب المألوف للجملة العربية "(9) وما الشاعر الشعبي او العامي بمعزل عن كل هذا فهو ايضا يحاول ان يخلق لغة تشبهه وتشبه حديثه، لغة تقدمه كما هو بعيدا عن اي تصنيف او تعقيد لغوي، فهو يستطيع ان يفعل ذلك كما فعلها شاعر القصيدة الفصحى الحديثة في ثورته على اللغة ومحاولته تطويعها كما يريدها هو بما يتعلق بنطق المفردة تشكيلا وعروضا، ولنأخذ هنا بعض الأمثلة في رسم التاء المربوطة حيث اعتمد شعراءها على النطق في رسمها فهي (هاءً) رسما حتى و ان كانت ( تاءً مربوطة) في أصلها ، ربما رغبة من الشاعر في الزام القارئ بالوقوف، و لا أدري ان كان لهذا الرسم أصل في اللغة و لكنا سنأخذها نماذج كما هي.
النموذج الأول قصيدة للسياب (10) من ديوانه ( شناشيل إبنة الجلبي ) بعنوان " كيف لم إحببك " ، والنموذج الثاني من نص " رجل على الرصيف " للماغوط (11)، لنتامل فيه طريقة رسمه للهاء التي في أصلها تاء مربوطة:

لقد كنتِ لي وطناً وحانه
وحزنا طفيفا، يرافقني منذ الطفوله
يوم كان شعرك الغجري
يهيم في غرفتي كسحابه

لنتأمل في المقطع الأول للسياب ، لنتأمل الكلمات الآتية و طريقة رسمه للتاء المربوطة : ( الطويله ، مقمره ، خميله ، جميله ) ثم لننتقل للمقطع الثاني للماغوط ولنتأمل ايضا : ( حانه ، طفوله ، سحابه ).
من خلال تتبعنا للنموذجين أعلاه نجد ان الشاعرين اعتمادا على رسم التاء المربوطة وفق ما يمليه النطق وأقدما على الزام القارئ نطق التاء المربوطة هاءً إلزاما شكليا وشفهيا في آخر كل سطرلكن حينما تأتي في منتصف الجملة تكتب تاءً مربوطة كما تنطق كما في جملة ( ليلة صيف) من المقطع الأول للسياب، و هذه الطريقة في الكتابة وجدتها شائعة لدى قطاع كبير من الشعراء (12) – وما اوردته لا يتعدى كونه نماذج فقط - حيث انهم يفرقون بين التاء المربوطة المنطوقة تاءً و بين التاء المربوطة في آخر الكلام و التي تنطق هاء و لكن تكتب تاءً مربوطة ، فعمد الشعراء الى كتابتها هاءً كما يمليه نطقها .

وقفة للتساؤل :

في الوقت الذي نجد فيه أصوات تطالب بقاعدة املائية للقصيدة العامية ، نجد على الجانب الآخر اصوات ترفض هذا التوجه ، والتي تكتفي بالرسم الإملائي الفصيح في كتابة القصيدة العامية لأن التحول نحو كتابة املائية جديدة للقصيدة العامية ربما يفتح ثغرات لمشاكل املائية وقرائية أخرى ، فمثلا لو استعضنا بالهاء المسكنة عوضا عن التاء المربوطة ربما يحدث خلط في التمييز بين هاء الضمير وبين الهاء المسكنة والتي في أصلها تاء مربوطة ، ويرى اصحاب هذا التوجه ان استخدام القاعدة الاملائية الفصحى هو أسلم خشية الوقوع في مشاكل املائية أخرى (هذا الرأي يفترض غباء القارئ حيث ان القارئ قادر على التمييز من خلال سياق الجملة ) ، وان التعود على قراءة القصيدة العامية بالقواعد الاملائية الفصحى هو ما سيكسب دربة مع الوقت وستتعود القصيدة العامية على كتابتها بهذا الرسم الفصيح .

والذي اراه حاليا انه على الكاتب التوفيق بين الاثنين دون الانسياق لقاعدة املائية محددة ، كون ان القصيدة العامية هي قصيدة سماعية و شفاهية بالدرجة الأولى ، على الشاعر ان يمتلك حرفنة املائية وكتابية تمكنه من توصيل وقراءة القصيدة بشكل يضمن وصول المعنى دون الإخلال بوزن القصيدة ، فمثلا في كلمات من قبيل ( سماء ، صحراء ، اسماء ) لا يحتاج الشاعر الى اضافة الهمزة في نهاية الكلمات فابإمكانه كتابتها دون الهمزة (سما ، صحرا ، اسما ) في حالة ان اللفظة لا تخل بالوزن و المعنى ،الا اذا استدعى النطق و الوزن ذلك فلا بد من كتابتها و كذلك المزاوجة بين ( فـ و في ) فمثلا جملة ( في الطريق ) عاميا نطقها يستوجب كتابتها بالشكل التالي ( فـ الطريق ) و لسنا بحاجة الى كتابتها ( في ) الا اذا كان السياق و النطق و الوزن يستوجب ذلك وقس على ذلك الكثير من الحروف و الكلمات كذلك الخلط بين الضاد و الظاء و بين فتح اواخر الكلمات أو اشباعها بالألف .

ان ذكاء الشاعر و قدرته ومعرفته الاملائية هي ما يمكن ان تخدمه في ان يقدم الصورة الاملائية السليمة لقصيدته – في ظل غياب قاعدة املائية محددة – واذكر فيما اذكر ان في كثير من المسابقات يحدث هذا الخلط لدى لجان التحكيم في عدم قدرتها على الوصول للقراءة السليمة لبعض القصائد الشعبية والتي قد تقرأ مكسورة ، و ذلك بسبب عدم التوفيق في الرسم الإملائي الصحيح للقصيدة مما يحدث ارباكا في توصيلها لدى القارئ.
هذه المقالة هي مجرد محاولة لطرح فكرة رسم املائي و شكلي لطريقة رسم الحروف في القصيدة العامية ، على أمل ان تأخذ الفكرة بعدا أكبر لايجاد شكل كتابي نتفق به في كتابة القصيدة الشعبية .

الهوامش :

1 – ديوان الشيخ عامر بن سليمان الشعيبي، تحقيق وتصحيح محمد بن حمد المسروري
2- الماجدي بن ظاهر حياته و شعره – مكتبة دبي للتوزيع
3- تاريخ الأدب العربي ( العصر الجاهلي ) شوقي ضيف
4- ديوان أغاريد البحر و البادية – جمع و تحقيق سالم بن محمد الغيلاني
5- ديوان قلم و دف – موسى زغيب
6- من اوزان الزجل اللبناني
7- من صفحة الشاعر على الفيسبوك
8- ديوان شق فجرك ظلامي و انجلت عتمتي – حمود الحجري
9 – ماهو الشعر – نزار قباني
10- ثلاثيات نقدية – عبدالعزيز المقالح
11- ديوان بدر شاكر السياب – دار العودة
12 – محمد الماغوط – الأعمال الشعرية
13- وجدتها عند نزار قباني، أحمد رامي ، عبدالرزاق عبدالواحد، غازي القصيبي .. الخ