[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
الفوضى الإعلامية التي أعقبت غزو العراق واحتلاله عام 2003 كانت واحدة من سمات مرحلة ما بعد الاحتلال، حيث تحول العراق بفعل هذه الفوضى إلى سوق اكتظت فيه مئات وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة في مشهد لم يألفه العراق والمنطقة عموما.
فبعد أن كان الإعلام العراقي بوسائله قبل الاحتلال مركزيا وموجها يعكس وجهة نظر الدولة وموقفها من التحديات التي كانت تواجه العراق قبل احتلاله تحول الإعلام بعد الاحتلال إلى إعلام طائفي وفئوي منفلت، وغير مسيطر عليه يتخبط في فوضى عارمة ولا يتمتع بالمعايير المهنية، ومكرسا للاستجابة للهياج السياسي والطائفي والعشائري العنصري عكس واقع الحال الذي كان يعيشه العراق بعد احتلاله، حيث شهدت الساحة الإعلامية فوضى إعلامية لا يمكن عزلها عن الفوضى السياسية والأمنية الشاملة التي حلت بالعراق في تلك المرحلة.
وكان الإعلام العراقي قبل الاحتلال يوصف بأنه إعلام مركزي وموجه وممول من قبل الدولة ذو هوية وطنية، واجه تحديات كبيرة لإيصال صوت العراق إلى العالم لتعبئة الرأي العام وبلورة موقف وطني ليستنهض طاقات الجماهير للدفاع عن استقلال العراق وسيادته وثرواته، كما جرى في عملية تأميم النفط، وتكريس هذا المنجز الوطني لبناء العراق ونهضته العلمية، ومواجهة الحصار وإبراز مخاطر التهديدات الخارجية.
لقد واجه الإعلام العراقي قبل الاحتلال تحديات كبيرة وخطيرة مقارنة بقدرات الماكينة الإعلامية الأميركية والغربية والصهيونية على مدى زمن الصراع، الأمر الذي تطلب جهدا كبيرا واستثنائيا من القائمين على وسائل الإعلام في محاولة لفضح الأهداف التي كانت تقف وراء استهداف العراق وتجربته، وكشف بطلان المبررات التي كانت تسوق للحملات العسكرية التي تعرض لها العراق خلال العقود الماضية لتبيان الأهداف الحقيقية للإعلام المضاد، وسعيه لحجب الحقائق والمعلومات عن الرأي العام، وعن النوايا الأميركية في سعيها لاحتلال العراق وإخضاعه إلى سيطرته.
وما يكشف عملية التضليل الإعلامي الذي عمدت إليه قوات الاحتلال سيناريو الاحتفال باحتلال بغداد الذي جرى في ساحة الفردوس، في حين أن أكثر من نصف بغداد وخمس محافظات عراقية هي الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك لم تصلها القوات الأميركية، من هنا كانت الرمزية في إسقاط تمثال صدام في وسط ساحة في قلب بغداد كرسالة للجميع مفادها أن بغداد والعراق كله أصبح تحت السيطرة.
لقد نهض الإعلام العراقي قبل الاحتلال بمهمات كبيرة في مواجهة اصطفاف إعلامي دولي قادته الولايات المتحدة الأميركية، وجندت لهذا الغرض مؤسسات ورجالا ومراكز أبحاث وأموالا لتسويق مشروع احتلالها للعراق، ورغم تباين الإمكانات والأدوار بين الطرفين إلا أن الإعلام العراقي واجه الحرب الإعلامية بقدرات محدودة، لكنها كانت مؤثرة وكشفت أهدافها ومبرراتها.
وبعد إلغاء وزارة الإعلام وخروج الإعلام العراقي من مظلة وسلطة وملكية الدولة، وجد نفسه بعد احتلال العراق واقع تحت هيمنة سلطة خارجية بأذرع طائفية فتحت الأبواب أمام تجربة إعلامية جديدة لا تمت بصلة لموجبات واشتراطات الإعلام المحايد والمستقل المستند إلى الهوية الوطنية الجامعة.
ولم ينتج الإعلام العراقي بعد الاحتلال تجربة إعلامية مستقلة ومحايدة ومؤثرة، وإن وجد فهو قليل وضعيف، وأغلب المشاريع الإعلامية المستقلة انهارت وأغلقت أبوابها بسبب التمويل وأسباب أخرى.
إن الفعالية الإعلامية بعد الاحتلال انتقلت من مرحلة الإعلام المُحتكر من قبل السلطة المركزية متمثلا بعدة صحف وثلاث قنوات محلية وفضائية واحدة، إلى إعلام متحرر من كل القيود وغير منضبط على مستويي الكم والنوع، فوجدت وسائل الإعلام العراقية نفسها فجأة في مواجهة وضع جديد لم يشهده العراق طيلة الـعقود الماضية.
إن التوجه الطائفي والعرقي والديني لأغلب وسائل الإعلام العراقية تحول إلى عامل سلبي وأصبح لكل طائفة وهوية عرقية صحيفة وإذاعة وتلفزيون وموقع إنترنت التي حولت الإعلام العراقي إلى منابر دعائية فئوية دون الاهتمام والتصدي للتحديات الخارجية والداخلية التي تواجه العراق لا سيما ارتدادات الاحتلال وقوانينه وإخفاق الطبقة السياسية التي انتجها الاحتلال في إدارة شؤون العراق والتنبيه إلى مخاطر الأطماع الخارجية التي تستهدف وحدة العراق أرضا وشعبا.