اليوم يضطر الفنَّان العراقي (الواسع الانتشار عربيًّا)، كاظم الساهر، إلى وضع أنواع الدروع على صدره لصدِّ السّهام الموجَّهة إليه بشيء من الضَّغينة والحقد (أحيانًا) بسبب أغنيته المُهمَّة المعنونة بـ»أوقفوا إطلاق النَّار» باللغة الإنجليزيَّة Hold the Fire.
والغريب في الأمْرِ هو أنَّ أغلَب مهاجميه ومنتقديه بسبب هذه الأغنية باللغة الإنجليزيَّة كانوا من العراقيِّين الَّذين نتوقع مِنْهم التشجيع (وليس سهام التجريح)، فلك الله أيُّها الفنَّان القدير.
المُهمُّ في سياق جدلي، كما أرى، هو أهمِّية «كسر حاجز اللغة» الَّذي أبقى الثقافة العربيَّة والإسلاميَّة عامَّة في الإقامة الجبريَّة، حبيسة المحليَّة والإقليميَّة المحدودة: وبَيْنَما يستمتع الفتيان والفتيات عَبْرَ العالَم العربي بالاستماع للموسيقى والأغاني الغربيَّة على نَحْوٍ لافتٍ للنظر الآن، لَمْ أسمعْ أو أرَ شبَّانًا أو شابَّات غربيِّين يعمدون إلى الاستماع لفنوننا الموسيقيَّة قط! أمَّا إذا ما حمَّل الساهر أغنيته (باللغة الإنجليزيَّة رسالةً إنسانيَّة عن مأساة غزَّة ومعاناة أهلها، الصَّامدين، فإنَّ في ذلك فضيلتَيْنِ: فضيلة تعريف العالَم الخارجي بما أخفق الإعلام العالَمي والعربي في إيصاله إلى الجمهور العريض عَبْرَ أنحاء العالَم، وهو الوَيْل والثبور اللَّذان ألْحَقا بإخواننا الغزِّيين (وكأنَّه تكرار طبق الأصل لنكبة فلسطين الأولى، 1948). والحقُّ، فإنِّي أكتبُ هذا الموضوع المُهمَّ حَوْلَ «كسر حاجز اللغة» وأهمِّيته للثقافة العربيَّة وللتعريف بها في المستقبل انطلاقًا من معاناة شخصيَّة: فقَدْ ألَّفتُ عددًا من الروايات باللغة الإنجليزيَّة، وقَدْ جاء ذلك ثمَّ نشرتها في أميركا عَبْرَ (أمازون Amazon)، إلَّا أنِّي لاحظت كمًّا مهولًا من النَّقد والضغائن بسبب نشر هذه الروايات بالإنجليزية بدلًا عن الإطراء والنقد البنَّاء الَّذي ينبغي أن يرصدَ ويلاحظَ مُهمَّة «كسر حاجز اللغة» بالنسبة لثقافتنا العربيَّة الَّتي لَمْ تزَلْ حبيسة المحليَّة والنَّفي في جزيرة نائيَّة لَمْ يكتشفْها أحَد من سكَّان قارَّات العالَم، لبالغ الأسف: فأن تؤلِّفَ وتنشرَ بلُغة أجنبيَّة كالإنجليزيَّة والفرنسيَّة، يَعدُّه البعض «خيانة» أو تبخترًا أو «وجاهة» أو «تكابرًا»، بدليل أنَّ مسابقات الثقافة العربيَّة من نَوْع «كتارا» (وأغْلَبُها خليجيَّة) ترفض دخول أيِّ عمل ثقافي «عربي» يُقدَّم بلُغة أجنبيَّة، بغَضِّ النظر عن أنَّ موضوعه عربي ومؤلِّفه عربي وأجواءه عربيَّة: فما معنى هذا الهوان؟ يفترض بكُلِّ هيئة ثقافيَّة عربيَّة تشجيع الأصوات العربيَّة القادرة على خلق أصداء ثقافيَّة عربيَّة عَبْرَ قارَّات، العالَم وليس العكس، أليس كذلك؟



أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي