الضغوط الدبلوماسيَّة على «إسرائيل» من جانب المُجتمع الدولي بعد خمسين يومًا من العدوان والقصف الجوِّي المجنون ضدَّ المَدنيِّين والبنى التحتيَّة وما استولده من أزماتٍ إنسانيَّة، دفعت الكثير من المنظومات السِّياسيَّة والدوليَّة لرفع صوتها بما في ذلك تراجع الإدارة الأميركيَّة عمَّا طرحته في الأيَّام الأولى من العدوان. الموقف الأميركي، تدحرج سريعًا، من مسح القِطاع، إلى تهجير مواطنيه إلى سيناء وغيرها، وصولًا للموقف المُعلن في اجتماعاتِ طوكيو لوزراء خارجيَّة الدوَل السَّبع يوم 11/11/2023 حين أكَّدَ وزير خارجيَّة أميركا أنتوني بلينكن «إنَّ قِطاع غزَّة ومصيره يقرِّره الفلسطينيون، ولا يوجد لا تهجير ولا إعادة احتلال». وعَلَيْه أكَّد الرئيس الأميركي، جو بايدن، يوم 26/11/2023، وجود «فرص حقيقيَّة» لتمديد هدنة الأيَّام الأربعة في غزَّة، قائلًا «إنَّ الوقت حان للعمل على إحياء حلِّ الدولتَيْنِ لإرساء سلام بَيْنَ إسرائيل والفلسطينيِّين». وحقيقة الأمْرِ، يواجه الرئيس جو بايدن ومستشاروه من سلسلة أزمات داخليَّة، كان مِنْها عرائض جماعيَّة موقَّعة من «ما لا يقلُّ عن 500 عنصر عامل في الدوائر الحكوميَّة من ضِمنها مجلس الأمن القومي ووزارة العدل، وأكثر من ألف موظَّف في الوكالة الدوليَّة الأميركيَّة للتنمية، مُطالبة الرئيس بايدن بالتدخُّل لوقف إطلاق النَّار في غزَّة (وول ستريت جورنال، 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2023). فضلًا عن تداخل أولويَّات الاستراتيجيَّة الأميركيَّة لتفرضَ اختيارات عاجلة كانت إدارته ترغب في ترحيلها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسيَّة، خصوصًا في ملفَّي أوكرانيا وتايوان. بَيْدَ أنَّ العدوان «الإسرائيلي» على قِطاع غزَّة فرض التحرُّك الفوري على أعلى المستويات. على كُلِّ حال، إنَّ التدحرج والاستدارة المُتتالية في الموقف الأميركي، جاء بعد صمود شَعبنا وفشل سياسة التهجير والترانسفير والتطهير العِرقي بالنَّار والبارود كما حدث في النَّكبة الكبرى الأولى عام 1948. وبعد ارتفاع أصوات شعوب العالَم في حراكٍ لا نظير له، وقَدْ فاق حراكات شعوب العالَم إبَّان الحرب الفيتناميَّة الأميركيَّة أضعاف أضعاف ما شهده العالَم في حينها. وبعد العراكات السِّياسيَّة داخل مجلس الأمن، وهي العراكات بَيْنَ موسكو وبكين من جهة والولايات المُتَّحدة وبريطانيا من جهة. وتهديد موسكو باللجوء للدَّعوة لعقْدِ اجتماع للجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة وفق القرار 377 (متَّحدون من أجْل السَّلام) وهو ما يتمُّ اللجوء إليه حال تعقَّدت الأمور داخل مجلس الأمن، وهو ما حدَث في أزماتٍ دوليَّة ثلاث: الحرب الكوريَّة 1952. ودخول القوَّات السوفييتيَّة إلى هنجاريا 1954 وإخماد حركة الانقلاب الَّتي قادها الأمين العام للحزب الشيوعي الهنجاري في حينها أميري ناجي. والعدوان الثلاثي على مصر نهاية 1956. حين يتمُّ إصدار قرار من الجمعيَّة العامَّة بوقف الحرب وفق البند السَّابع، أي استخدام القوَّة الدوليَّة. ولا ننسى أنَّ رهانات واشنطن والحزبَيْنِ الكبيرَيْنِ على كسب كُلٍّ مِنْهما أصوات الكتلة اليهوديَّة المؤثِّرة في الانتخابات الرئاسيَّة الأميركيَّة القريبة إلى جانبه، قَدِ انتهت أيضًا مع ما شهدته مُدُن الولايات المُتَّحدة من مَسيرات ومظاهرات تُندِّد بالعدوان على القِطاع وتدعو لوقفه. وانطلاقًا من هذا الأمْرِ عَدَّ الأستاذ في دراسات الدِّفاع في جامعة «كينجز كوليدج لندن»، أندرياس كريج (ورد أعلاه الاستشهاد في رأيه)، عَدَّ «أنَّ واشنطن غير مستعدَّة لعمليَّة مكثَّفة تستمر أشهرًا بلا انقِطاع مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيَّة الأميركيَّة العام المقبل»، وأوضح قائلًا «لذلك تحتاج إدارة بايدن إلى إيجاد مخرج أيضًا».


علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]