ينبغي على المؤمن أن يكون على يقين أن الله تعالى سميع قريب يسمع دعاءه، ويحقق رجاءه، وينتقم له ممن ظلمه، ويغفر زلته، ويقبل عثرته.فيا من أتعبك الظلم، أو لحق بك الجور، أو أصبت بشيء من التعدي، سواء في نفسك أو مالك أو عرضك أو أرضك أو غير ذلك، فهذه علة دواؤها الدعاء والرجاء، فكم من أناس دعوا الله تعالى من علة ظلم أصابتهم، فشفى الله قلوبهم واستجاب لهم دعواتهم وحقق لهم رجاءهم.وسيأتي في السياق مما يلي بعض المواقف والقصص أسوقها ـ إليكم إخواني القراء الأفاضل ـ لكي تكون حافزًا لكل مسلم أصيب بظلم أو يتمنى من الله أمرًا فليكثر من دعاء الله ـ جلَّ جلاله ـ ولا يقنط من رحمة الله تعالى ولا يمل من كثرة الدعاء، بل يلحُّ على الله تعالى إلحاحًا، فأمر الله محقق وفضله عظيم وعطاؤه لا حدود له، ولا يظن ظان أن دعاءه لم يتحقق، فلن يضيع له دعاء ولن يهمل له رجاء فإما أن يحقق له ويراه، وإما أن يجعله ذخرًا له يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ففي (عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد 2/ 434):(ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يذخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها).ولهذا جاء أمر الله تعالى عباده أن يدعوه، بل وقد أثرت لنا كتب السنة الكثير من الأحاديث التي تدل على هذا المعنى منها ما هو نداء من الذات العلية لعباده، ففي الحديث القدسي، ففي (صحيح مسلم 4/ 1994): (عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا..) الى آخر الحديث.وجاء عن رسول الله الكثير من أقواله الشريفة التي تدل على الدعاء كعلاج ودواء لكل من ظلموا، فعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر) (رواه أحمد وهو في الترمذي عن جابر وعن عبادة)، وقال (صلى الله عليه وسلم) لمُعاذ بن جبلٍ ـ رضي الله عنه ـ حين بعثَه إلى اليمن:(واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ) (متفق عليه)، وورد (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمام، وتُفتحُ لها أبوابُ السماوات، ويقول الربُّ ـ جل وعلا: وعزَّتي! لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ) (كتاب من عجائب الدعاء، الجزء الأول، ص: 7).وقد أدركت كل المخلوقات هذا الأمر فما توقفت عن دعاء مليكها، فقد (صُحَّ أن سليمان ـ عليه السلام ـ قد أوتي منطق الطير، وقد خرج مرة يستسقي بالناس، وفي طريقه رأى نملة رفعت رجليها تدعو الله عز وجل بالغيث، فقال سليمان ـ عليه السلام : أيها الناس، عودوا فقد كفيتم بدعوة غيركم، فأخذ الغيث ينهمر بدعاء تلك النملة) (المرجع السابق، ص: 35).ولما اشتد الكرب، وعظم الخطب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في غزوة الأحزاب، وبلغت القلوب الحناجر فدعا ـ عليه الصلاة والسلام ـ على قريش ومن معهم قائلاً: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم، فأرسل الله تعالى على خيامهم وأمتعتهم ريحًا جعلت تقوض، خيامهم وتكفأ قدورهم، وتنزع أطنابهم، فلا يقر لهم قرار، فنصر الله تعالى المؤمنين) (المرجع السابق، ص: 43).. وللحديث بقية.محمود عدلي الشريف ❋ [email protected]