لَمْ أجد أيَّ اختلاف في المضمون، ولا في الأهداف بَيْنَ قمَّة مجموعة الـ77 التي انعقدت خلال هذا الأسبوع في العاصمة الكوبيَّة هافانا وقمَّة الجنوب التي انعقدت فيها عام 2001 باستثناء أنَّ عنوان القمَّة الجديدة أُعطيتْ فيه خصوصيَّة معيَّنة لمشاركة الصين فيها. لقَدْ أُتيح لي أن أكُونَ ضِمْن الوفد العراقي برئاسة محمد سعيد الصحَّاف وزير الخارجيَّة العراقي الأسبق الذي شارك في قمَّة الجنوب آنذاك، وكانت كُلُّ محرِّكات تلك القمَّة تنصبُّ على أهمِّية إيجاد مفاتيح دوليَّة لخدمة قضايا التنمية مع تحريرها من سطوة النزعات الاحتكاريَّة المُدمِّرة وما زلتُ أذكر الخلاف الذي نشِبَ بَيْنَ الرئيس فيديل كاسترو الذي أدار أعمال القمَّة والرئيس النيجيري بسانجو بشأن أولويَّات دوَل الجنوب، وعِنْدها خرجتُ بقناعة أنَّ مصطلح قمَّة الجنوب بحاجة ماسَّة إلى بَلْوَرَة وحدة مواقف دوليَّة تكُونُ ملزمة لجميع دوَل المجموعة، وهو أمْرٌ خارج التغطية حتمًا نظرًا لتباين المواقف ونزعة المنافسة الغامضة وما يتمُّ في الغرف المغلقة، بل وصل بي الاعتقاد أنَّ مهمَّة الإمساك بمواقف موَحَّدة بخصوص ذلك تُشابه إلى حدٍ ما محاولة الإمساك بهِرٍّ أسود في غرفة مظلمة، خصوصًا مع احتمال استخدم الهِرُّ مخالبه.
على أيِّ حال مِثلما سمعتُ في قمَّة الجنوب عام 2001 من شكاوى وردت في المداخلات العامَّة عن نقص العدالة في السَّاحة الدوليَّة، أرى أنَّ المشهد تكرَّر في البيان الختامي لقمَّة الـ77 قَبل أيَّام، الأمْرُ الذي يعني طغيان المنافسة المتوَحِّشة مع تناقص شديد في الفرص البيئيَّة المتاحة للتنمية والتجارة الحُرَّة. وإذا كانت القمَّة الجديدة لَمْ تستعِنْ بتقارير منظَّمة الشفافية العالَميَّة للكشف عن حجم المظلوميَّة في الفرص، فقَدْ ظلَّ بيانها رهْنَ تجاذبات واضحة لكثرة التمنِّي فيه. إنَّ الإفصاح عن النيَّات الحسَنة لا يعني بأيِّ حالٍ من الأحوال توافر المجال التطبيقي الرحب لها، وبموجب ذلك، الغصَّة التي لمحتها على مُحيَّا كوفي أنان الأمين العامِّ للأُمم المُتَّحدة في قمَّة 2001 أراها الآن تتكرر لدى أنطونيو جوتيريش أمينها العامِّ الحالي، خصوصًا مع إشارة بعدم وجود توظيف دولي بسياقات صحيحة لمواجهة المعضلات التي تضرب العالَم في الوقت الحاضر.
لا شكَّ أنَّ الانقسامات في المواقف على أشدِّها الآن إزاء المواجهة الروسيَّة الأوكرانيَّة، والأسلحة السِّياسيَّة كاتمة الصوت منتشرة على المنصَّات الدوليَّة، وفرص السكوت وغضُّ النظر على قدَمٍ وساقٍ، ثمَّ كيف يُمكِن لدوَل هذه المجموعة الكبيرة التي يزيد عددُها على مئة دَولة أن تتَّحدَ في مواقف مشتركة مع تباين الاستعدادات للالتزام بوقف الإفلاس البيئي أو على الأقل تحجيم التدهور، وعدم وجود مفاهيم مشتركة لمواجهة المعضلات إلَّا في البيانات الإعلاميَّة فحسب؟ وكيف يُمكِن توطين الأولويَّات لمعالجات مخلِصة بشأن قضايا الديون والاحتكارات الصارمة والحصارات على حُريَّة انتقال التكنولوجيا وهي محكومة بشروط الملكيَّة الفكريَّة، وأيَّة فرص لحماية البيئات البحريَّة خزين العالَم من الغذاء إذا كانت البوارج الحربيَّة تجوبها مع هامش يومي هائل من الفضلات التي ما زال رميها في المياه الوسيلة الشَّائعة؟
إلى ذلك أيضًا، أنَّ التحدِّيات التي تطرَّقت إليها قمَّة الـ77 نسخة مكرَّرة من التحدِّيات التي تطرَّقت إليها مجموعة العشرين التي اختتمت أعمالها في وقت سابق من هذا الشهر، لكنَّ هذا التَّشابه في القراءة يَحْكمه التناقض في السُّبل الكفيلة للمواجهة ما دام هامش المصالح الحصصيَّة الاحتكاريَّة المبيَّتة هو الذي يَحكُم الأولويَّات.


عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]