للتاء صورٌ متعددةٌ، وهذه الصور لها سمات نحوية، وخصائص صرفية، وضوابط إملائية، وفروق لغوية، فمن السمات النحوية أن لها ثلاثة استعمالات في التراكيب، حيث يؤثر دخولها في إعراب الأسلوب تأثيرا واضحا، أعرضها فيما يأتي:
ـ صور ورود التاء في لغة العرب:
الاستعمال الأول:أن تردَ ضميرًا يتخذ محل الرفع على الفاعلية، ويكون ضميرًا متّصلًا، سواء ورد للمتكلم، أم المتكلمة، يقول:(تلوتُ القرآن)، وتقول هي:(تلوتُ القرآن)، وسواءورد للمخاطب أو للمخاطبة أم للمخاطين، أم للمخاطبين، أم للمخاطبات، أقول سائلا إياه:(هل تلوتَ الكتاب العزيز كاملًا؟)، وأسألها:(هل تلوتِ القرآن كاملًا؟)، وأسألهما:(هل تلوتما القرآن اليوم؟)، وأسألهم:(هل تلوتُمُ القرآن اليوم؟)، وأسألهن:(هل تلوتُنَّ القرآن اليومَ؟)، ويكون الضمير عندئذ مبنيًا على الفتح، أو الضم، أو الكسر(بحسب المتكلم، أو المخاطب أو المخاطبة، إفرادًا وجمعًا وتثنية) في محل رفع فاعلًا، نحو:(يا مريم لقد جئتَ شيئًا فريًّا)، (ثم جئتَ على قدرٍ يا موسى)،(قال: أولو جئتُك بشيءٍ مبين)، (وجئتُكم بآية من ربكم).
وهذا الضرب من التاءات له تأثير صرفي على الفعل الأجوف، حيث بدخولها تحذف عين الفعل الأجوف، أي وسط الفعل؛ بسبب التقاء الساكنين، مثل:(قلت) بوزن(فُلْتُ)، وصُمْتُ، وجُلْتُ، وصُلْتُ، وبِعْتُ، وسِرْتُ، وصِرْتُ قويًّا، ومن خصاصها الصرفية كذلك أنها تحول الفعل الماضي الذي كان مبنيًا على الفتح قبل دخولها يصير إلى البناء على السكون، نحو: (ذهبْت، وسمعْت، وكتبْتُ وقرأْتُ، وشهدتُ، وسافرتُ)، ويبقي على لام الناقص، ويعيدها إلى أصلها، نحو:(سعيْت إلى الله بكلتا ساقيِّ، وسموْت نحو العلا بتقوى الله، ومضيْت أبني مجدي بإخلاص، وتؤدة، وقضيْت بين الناس بالعدل، ومحوْت كل مظلمة وقعتْ على من حولي، وجلوْتُ الغموض عن تلك القضية الشائكة، وصبوْتُ إلى كل خير، ونفع للآخرين، عرفتهم أم لم أعرفهم)، والاستعمال الثاني:أن تجيء حرفًا للتأنيث، فنعرف من خلالها نوع الفاعل أنه مؤنث، ولو مجازيًّا، وتكون حرفًا للتأنيث، مبنيًا على السكون أو الكسر لالتقاء الساكنين، ولا محل له من الإعراب، نحو:(قالتْ نملةٌ يا أيُّها النملُ ادخلوا مساكنكم..)، ونحو:(قالتْ يا ليتني مِتُّ قبل هذا وكنت نسيًا منسّيًا)، وهي في الأصل مبنية على السكون، ولكنها قد تتحرك بالكسر إذا وليها ساكن، نحو:(قالتِ الملائكةُ)، (قالتِ امرأةُ العزيزِ)، وتأتي للتأنيث جوازًا ووجوبًا في حالات يمكن مراجعتها في مبحث تأنيث الفعل مع الفاعل، أو نائب الفاعل (في أحكام الفاعل في باب الجملة الفعلية)، ولا تأثير في الفعل الصحيح العين واللام، نحو: (خرجَتْ أختي إلى الكلية، ثم تحدثَتْ إليَّ في وقت فراغها حتى أذهبَ إليها وأعيدَها إلى البيت)، وكذلك تؤثر على الفعل الناقص (وهو معتل اللام أو معتل الآخر)، حيث تُحذَف لامه، نحو:(سعَتْ، رقَتْ، مشَتْ، سمَتْ، زكَتْ، جرَتْ، مضَتْ)، فتلك الأفعال حُذِفَتْ منها لاماتها جراءَ دخول تاء التأنيث، وهذه التاء لها تأثير على الرسم الإملائي، حيث إنها تحذف لام الناقص، كما مضى، في نحو:(سعت، دعت، مضت، جلَتْ، حلَت)، كما أنها تؤثر في معرفة الظرف من الحرف، فهي مع الحرف تكتب مفتوحة، ومع الظرف ترسم مربوطة، نقول:(عملتُ خمس ساعات متواصلة، ثُمَّت استرحتُ نصف ساعة)، ومنه قول الشاعر:(ولقد أمر على اللئيم يسبني .. فمررت ثُمَّتَ قلت لا يعنيني) بفتح التاء، أما نحو:(رأيتُ عليًا ثَمَّ (أي هنا)، ورأيت فاطمة ثمة (أي هناك)، ونقول:(ثَمَّة أمر يجب أن نتكلم فيه)، أي: هناك أمر يجب التكلم فيه ووضع رأي بشأنه، ومنه:(وإذا رأيتَ ثمَّ رأيتَ نعيمًا وملكًا كبيرًا)، ونحو:» فأينما تولوا فثم وجه الله»، فـ(ثَمَّ) تذكَّر وتؤنَّث، وعند تأنيهاـ كحرف عطف ـ نفتح تاءها، ولكنْ إذا وردت ظرفًا، فنغلق تاءها وجوبًا، أو نكتبها مربوطة، لا مبسوطة، كما سلف، والاستعمال الثالث:أن تستعمل حرف جر، وتختص بلفظ الجلالة فقط، نحو:(وتاللهِ لأكيدنَّ أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين)، ونحو:(تالله لقد آثرك الله علينا)، ونحو:(تالله إن كنَّا لفي ضلال مبين)، وتدخل على (رب الكعبة) في بعض الاستعمالات القديمة، نحو:(تَرَبِّ الكعبة إني لصادق فيما أخبرتك)، وهي حرف جر مختص مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب، فيتحصل لنا أن التاء تأتي ضميرا ينهض بالفعل، متكلمًا ومخاطبًا، ولها سماتها، وضوابطها، وقواعدها، وتأتي حرف تأنيث، له ضوابطه الصرفية والإملائية والنحوية، والتركيبية، وترد حرفَ جَرٍّ له عمله، وتأثيره في التركيب، وقد سبق أن ذكرتُ ذلك كلَّه، ووضحتُ الخصائصَ التي ترد لها، وقعَّدتُها لها اللغة، وسنَّتْه من قوانينَ، وقواعدَ.


د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية
[email protected]