كلُّنا نعلم بأنَّ فنَّ الدبلوماسية ومفاهيم البروتوكول والإتيكيت مختصرة على الكادر الوظيفي في وزارة الخارجية فقط، والمناصب القيادية في الجهات الحكومية في سبعينيات القرن الماضي، والمختصين في الكلِّيات والمعاهد الدبلوماسية والعلاقات العامة. أمَّا الآن فالجميع بحاجة إلى هذه المفاهيم ابتداءً من العائلة التي هي نواة المجتمع وصولًا إلى أعلى المناصب. وتُعدُّ مفاهيم البروتوكول والإتيكيت من أهم جوانب فنِّ الدبلوماسية، حيث كانت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961م والاتفاقيات المعدَّلة بعد ذلك، جاءت لتوضح مهام وامتيازات السلك الدبلوماسي والتي تمَّ تعديلها وتطويرها لتشمل جميع مفاصل الحكومة على مختلف أنواعها، حيث تمَّ دمج نظريات عِلم النفس الاجتماعي مع عِلم الإدارة لوضع أُسُس وسمات الإتيكيت الحكومي ونواة الإتيكيت الاجتماعي والتي هدفها الأساس الإنتاجية العالية والابتكارات الحديثة المتطورة التي تواكب الطفرة التكنولوجية الحياة. ويُعرف البروتوكول بأنَّه هو مجموعة من القواعد أو التوجيهات التي تصدر من جهة عليا وصولًا لتحقيق هدف معيَّن في أغلب الأحيان شفهية أو مكتوبة مستندًا إلى الاتفاقيات بين الطرفين، والتقيُّد بها؛ لأنَّها مبنية على أُسُس علمية وعملية وتبادل المصالح المشتركة في نفس الوقت، وهذا يعكس السلوك السليم تجاه البروتوكول المتفق عليه بين الجانبين ـ هذا ما يخص الاتفاقيات ـ. أمَّا البروتوكول ـ على سبيل المثال ـ في الحفلات والعشاء الرسمي بمستوى كبار الشخصيات فيقصد به ارتداء الزيِّ الرسمي (VVIP) وأغلب الأحيان يكتب في بطاقة الدعوة نوع الملابس وحتى اللون، إن كان حفل عشاء رسميًّا يكتب على بطاقة الدعوة يسمح بحمل الأوسمة والنياشين، يعمم على البروتوكول بأنَّه عمومي ويحسب له على أنَّه يتعلق بالإجراءات والتنظيم، وعلى أن يكون الشخص في أعلى درجات التهذيب واللطف والمعرفة الكاملة بقيمة الوقت في الحضور والانصراف، فلا يمكن إطلاقًا أن يدخل الملحق الدبلوماسي أو السكرتير الثاني بعد السفير أو راعي الحفل لذلك (بروتوكوليًّا) أن تحضر الدرجات الدنيا قبل كبار الشخصيات وصعودًا. وعليه، فإنّ البروتوكول يقتضي الحضور والتقيد بجدول الحضور والانصراف ومكان الجلوس وإظهار الاحترام لجميع الحضور، ومراعاة الترتيب الزمني (حسب الأقدمية أو العمر) للدبلوماسيين عند تنظيمهم في حفل استقبال أو توديع السفير أو العيد الوطني لدولتهم. أمَّا فنُّ الإتيكيت فهو من أهم عناصر الحياة المَدنية في عصرنا الحديث، وتتبارى المدارس الدبلوماسية على اختلاف تصنيفها، وخصوصًا الفرنسية منها، بوضع اللمسات الجميلة والهادئة والمميزة بفنِّ الإتيكيت، سواء للرجل أو المرأة. وتوجد مدارس متخصِّصة في أدقِّ التفاصيل، فهناك المدرسة المتخصِّصة في استقبال كبار الشخصيات، وهناك مدارس متخصِّصة في إتيكيت الدعوات والمآدب الملكية لكبار الشخصيات وأنواعها، سواء النهارية منها أو الليلية، ألوان الملابس، لباقة الكلام، ابتسامة المتكلم التي تُعدُّ جسر الوصل بين المرسِل والمُستقبِل والتي تدخل في مجال تنمية العلاقات العامة وسُبل تطويرها، بالإضافة إلى كلِّ جزئيات الحياة اليومية. ويعرف الإتيكيت بأنَّه فنُّ الذوق الرفيع واللباقة والمظهر والسلوك الفردي بالمجتمع والتعامل بهذه العناصر مع الآخرين، وأن من مُقوِّمات وحجر الأساس لهذا الفنِّ هو احترام المقابل والتعامل معه بأفضل ما يكون من تواضع ومَحبَّة وإبداء المساعدة لمن يريد، والتمسُّك بالعادات والأخلاق الحميدة تجاه الجميع، وهذا ما يفرضه علينا ديننا الحنيف والسيرة النبوية الشريفة. تاريخ الإتيكيت يبدأ من سلالة حمورابي وحضارة الفراعنة، فكانت الرسوم التي عثرت عليها فرق الاستكشاف تُدلل على مدى احترام وتقدير الناس لهرم الدولة من انحناء بسيط للرأس أو الوقوف أمامهم، بالإضافة إلى الترتيب في جلوس كبار الشخصيات في حضرة هرم الدولة. أمَّا في العصر الإسلامي فقد تطور الأمْرُ كثيرًا، ونزلت آيات كريمة بهذا الخصوص، منها على نبرة الصوت، ومنها على التبرج، وأخرى على طبيعة المشي، بالإضافة إلى جميع مجالات الحياة اليومية لا مجال لذكرها بهذا المقال المختصر. الإتيكيت هو مصطلح فرنسي يعني فنَّ التعامل الفردي والشخصي مع الآخرين، ويختلف من بلد إلى بلد، ويُعدُّ من السلوكيات الإنسانية المهذبة التي يجب على المرء أن يضعها في اعتباره أينما ذهب. وأصبح للإتيكيت أُسُس وقواعد ومدارس معروفة يعمل بها في المجتمعات المتحضرة. الإتيكيت يعرف حسب قاموس أوكسفورد بأنَّه مجموعة من القواعد التقليدية للسلوك الشخصي في المجتمع المؤدب الحضاري، وهو عبارة عن حزمة من آداب السلوك اللطيف وقواعده التي تسود العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، ولا يصح إطلاقًا حصر الإتيكيت على جهة دون أخرى؛ لأنَّه بالحقيقة يتصل بالذوق العام والأخلاق والاحترام والتقدير وكلِّ معاني الجَمال والآداب والتنظيم والترتيب، وهذه القواعد يجب الالتزام بها؛ لأنَّها هي القاعدة التي يستند إليها البروتوكول والذي تتقيد به الأوساط الرسمية، وأن معرفة الإنسان لأصول الإتيكيت تساعده في تحريره من الشعور الخفي اللاشعوري بالنقص الذي يظهر في إقامة الإنسان للعلاقات الاجتماعية والرسمية بالنقص، ويعتريه الإحساس بالحيرة والقلق والحياء. د. سعدون بن حسين الحمدانيالرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت