- «قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ»

قدّم الأب يعقوب(عليه السلام) نصيحته الاحترازية لولده يوسف ألا يبوح برؤياه لإخوته، ليس مجرد تدريب على هذا الخلق، بل صحبه غرس الثقة في الائتمان على السرية، وكتم السر فضيلة عظيمة استطاع خلالها يوسف الصديق أن يكون عزيزًا في بلد عزّت فيه الاستقامة وتكشفت فيه الرذيلة بأظهر تجليتها.
وإنّك قلّ ما تجد من يتمسك بحفيظة السرّ في زمننا المتنازل المنهزم فبعضهم يكتم عنك السر لسويعات لا يطيق الإمساك بجمرته ولا يدري أنه يسرسر ماء شخصيته بين أصابعه المرتجفة.. فأين نحن من التأسي بسيرة نبي الله يوسف(عليه السلام)، ولم ضاعت أخلاقنا إلى هذا المدى؟!.
التربية على حفظ السر قد يتعدى نطاق المصلحة الفردية ليشمل حدود الوطن أو الأمة الإسلامية، ولأجل ضمان ذلك كان لا بد للآباء والمدارس أن يربوا أولادهم على خلقين مهمين (الولاء والانتماء) كما فعل نبي الله يعقوب في يوسف غرسًا متقنًا، فبذلك الغرس ظل يوسف على ولائه لإيمانه، ولخلق أبيه المتوارث من سلالة الأنبياء، فظل على العهد وهو في بلد غير بلده وماسك بزمام قيادة غير قيادة وطنه الأم(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَمَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍذلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)، وما منعه ولاؤه وانتماؤه أن يتقن عمله في مهمته،واستطاع إنقاذ تلك الأمة باختلاف أحوالها وقد عاشت في زمن يهددها بالانقراض، وما منعه انتماؤه أن يستقبل ويصلح إخوته رغم كيدهم المبين له، فحق أن يسعد أولئك الذين نجحوا في تربية أجيالهم أن يروا ثمار صنيعهم أقوياء أوفياء يعهدون أسرارهم ويحفظون شخصياتهم منتمين لا يخونون ولا يخافون مهما عصفت حولهم ضغوطات الإغراءات الناعمة أو القاسية.


سامي السيابي
كاتب عماني
عضو بفريق ولاية بدبد الخيري