يتساءل الكثيرون عن مدى ترابط مهارة الإتيكيت الحكومي مع أداء وفن الإتيكيت الاجتماعي ومدى اهتمام فن ونظريات ومفاهيم الدبلوماسية بهذين المهارتين، وهل تعتمد المدارس الدبلوماسية في تقييمها للشخص على درجة إتقانه وتصرفاته وأدائه اليومي لفن الإتيكيت الحكومي والإتيكيت الاجتماعي؟
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، بدأت الدول التي خسرت الحرب بعمل حلقات لصقل مهارات الناس بعد انكسار الحالة النفسية والمعنوية لهم، وهنا أدَّت مفاهيم الدبلوماسية وفن الإتيكيت الاجتماعي الدور الرئيسي للوصول إلى أعلى درجات التطور من خلال إتقان وتطبيق آلية الإتيكيت الحكومي معتمدة إلى الروح المعنوية العالية التي حولت الانكسار إلى تحدٍّ للوصول إلى قوة اقتصادية هائلة مثل: اليابان وألمانيا.
اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961م والتي تُعد المرجع الأساسي والجوهري لجميع مفاصل الدبلوماسية على مختلف تفرعاتها وتشعباتها، وهي بالطبع اتفاقية دولية ونموذج راقٍ لفن الإتيكيت الحكومي والتي حددت الإجراءات والضوابط المحددة والخاصة بالعمل والكادر الدبلوماسي والإتيكيت الحكومي المحصن ضمن هذه الاتفاقية بين الدول، وبيَّنت الحقوق والواجبات الموكلة للأفراد العاملين في السفارات والبعثات الدبلوماسية على مختلف أنواعها تحت مظلة فن وآلية الإتيكيت الحكومي، إذ يُعد هذا الفن من الخطوط الحمراء وعدم المسِّ أو التغاضي أو التقصير في أي بند من بنود الإتيكيت الحكومي الدبلوماسي، من حيث تأمين أداء البعثات موظفيها لأعمالها على أفضل وجه كممثل لدولته. الإتيكيت الحكومي بالنسبة إلى اتفاقية فيينا، حددت المادة الأولى المناصب والوظائف؛ لا نحبذ الخوض فيها كثيرًا وهي كما يلي: رئيس البعثة، أعضاء البعثة (يشمل رئيس البعثة وأعضاء طاقم البعثة)، أعضاء طاقم البعثة (الطاقم الدبلوماسي والإداري والفنيين والخدم)، أعضاء الطاقم الدبلوماسي (أعضاء الدبلوماسيين الذي لهم صفة دبلوماسية)، الممثل الدبلوماسي يشمل رئيس البعثة أو أي عضو من الطاقم الدبلوماسي، الطاقم الإداري والفني، طاقم الخدم، ومصطلح الخادم الخاص. لفن الإتيكيت الحكومي للبعثات الدبلوماسية مفاهيم لا يمكن تغييرها أو الاجتهاد عليها؛ لأنها تم الاتفاق عليها من قبل جميع الدول وموثقة ومحفوظة في الأمم المتحدة، فعلى سبيل المثال، المادة (16) نصَّت على أسبقية رؤساء البعثات لكل طبقة تبعًا لتاريخ وساعة تسلمهم لمهام مناصبهم وفقًا لما جاء بالمادة (13)، ولا مجال أبدًا للمحسوبيات والعلاقات الشخصية والعائلية بذلك؛ لأنها تُعد وثائق وآليات دولية متفقًا عليها مسبقًا.
وتتفاخر المدارس الدبلوماسية الأجنبية المتقدمة في هذا المجال بدمج مفاهيم علم النفس ونظريات علم الاجتماع، وجعلها الحجر الأساس لفن الإتيكيت الاجتماعي الذي يُعد الحافز الأفضل لتحقيق أرقى النتائج في الإتيكيت والعمل الحكومي، وعدُّوا أن الإتيكيت الاجتماعي هو من المقوِّمات الأساسية في الإبداع والتميز للإتيكيت الحكومي، وعلى سبيل المثال، فإنَّ الشخص السعيد والمستقر في عائلته هو الأنسب والأفضل في تحقيق أعلى درجات الإبداع والتميز في الأداء الحكومي، وبالتالي فإن كاريزما هذا الشخص سوف يكون مؤهلًا لشغل مناصب أعلى بسبب إبداعاته وتطوير أفكاره مستندًا إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي في حياته الشخصية والاجتماعية، عكس الشخص الذي يعاني من مشاكل شخصية واجتماعية ويحضر إلى الدوام الرسمي وهو مثقل بالهموم والأفكار السلبية ولا يطيق حتى مسك القلم للتوقيع على شيء ما، فكيف تترجى منه الإخلاص في الأداء العمل الحكومي وإنتاجية اليوم الذي هو فيه.
ويُعرّف الإتيكيت الاجتماعي بأنه هو «السلوك المهذب الراقي بكل مفردات الحياة العائلية اليومية ابتداء من النهوض الصباحي وحتى النوم مساء» وبل ويدخل حتى في توقيتات عدد ساعات النوم لكونه سوف يضيف حلقات بيولوجية إلى أعصاب المخ لغرض التجديد بعيدًا عن العادات السيئة مثل: التدخين والمشروبات الكحولية التي هي أصلًا ضد تعاليم ديننا الحنيف من حيث الإسراف المالي بدون نفع وكذلك المضرة الصحية للبدن والقلب والدماغ مما يؤثر على مهارة الإتيكيت الحكومي والإبداع فيه. وأكدت المدارس المتخصصة في علم الإدارة أن فن الإتيكيت الاجتماعي وإيجابياته هو من أهم الداعمين لفن التطوير العمل الحكومي والوصول إلى أعلى درجات الإنتاجية، حيث يعرّف الإتيكيت الحكومي بأنه هو سلوك وأداء وممارسات سواء (الإيجابية، السلبية) للموظف وكيفية الاهتمام والالتزام بالسياقات والتعليمات المركزية والمبادئ الأساسية لغرض تحقيق أفضل النتائج معتمدًا بصورة كليًّا على الأخلاق الحميدة الأصلية وتنفيذ ما يؤكل إليه بأفضل الطرق معتمدًا على مبدأ القيادة الرشيقة (كقيادة أو كإدارة).
وفي الختام فإنَّ فن الإتيكيت الاجتماعي يؤدي دورًا أساسيًّا في إنتاجية العمل وتطوير الأداء الحكومي إلى ما هو الأفضل.


د. سعدون بن حسين الحمداني
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت