بفضل الله تعالى تناولنا في المرات السابقة الآيات التي تناولت شهر رجب وحده، وأما عن ذكره مجملا بين إخوانه من الأشهر الحرم، فإليكموه:ـ1ـ(فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبةـ ٥)،(عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَهِيَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ)(تفسير ابن أبي حاتم - محققًا 6/ 1752)،ويقول الماوردي:(في الأشهر الحرم قولان: أحدهما: أنها رجب وذو العقدة وذو الحجة والمحرم، ثلاثة سرد وواحد فرد، وهذا رأي الجمهور. والثاني: أنها الأربعة الأشهر التي جعلها الله تعالى أن يسيحوا فيها آمنين وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع عشر من شهر ربيع الآخر، قاله الحسن) (النكت والعيون 2/ 340)،ويقول البغوي:(قوله تعالى: فإذا انسلخ، انقضى ومضى الأشهر الحرم، قيل: هي الأشهر الحرم الأربعة: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. وقال مجاهد وابن إسحاق: هي شهور العهد فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر، ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم خمسون يومًا. وقيل لها حرم لأن الله تعالى حرم فيها علىالمؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم. فإن قيل: هذا القدر بعض الأشهر الحرم)(تفسير إحياء التراث 2/ 318).2ـ(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبةـ ٣٦)،يقول صاحب(الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل 2/ 269):(السنة اثنا عشر شهرًا: منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرّم. ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. والمعنى: رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه، وعاد الحج في ذي الحجة، وبطل النسيء الذي كان في الجاهلية، وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة، وكانت حجة أبى بكر رضى الله عنه قبلها في ذي القعدة ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعنى أنّ تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم، دين إبراهيم وإسماعيل، وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منهما، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ويحرمون القتال فيها، حتى لو لقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه، وسموا رجبا:الأصم ومنصل الأسنة، حتى أحدثت النسيء فغيروا فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ في الحرم أَنْفُسَكُمْ أي لا تجعلوا حرامها حلالا. وعن عطاء. تالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا، وما نسخت، وعن عطاء الخراساني: حلت القتال في الأشهر الحرم براءة من الله ورسوله. وقيل: معناه لا تأثموا فيهن، بيانا لعظم حرمتهن، كما عظم أشهر الحج بقوله تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ ... الآية وإن كان ذلك محرما في سائر الشهور كَافَّةً حال من الفاعل أو المفعول مَعَ الْمُتَّقِينَ ناصر لهم، حثهم على التقوى بضمان النصر لأهلها).3ـ(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِيُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُزُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (التوبةـ ٣٧)،يقول صاحب(جامع البيان11/ 454):(عَنْ مُجَاهِدٍقَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الْحَجَّ فِي ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ: وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ الْأَشْهُرَ: ذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَصَفَرُ، وَرَبِيعٌ، وَرَبِيعٌ، وَجُمَادَى، وَجُمَادَى، وَرَجَبٌ، وَشَعْبَانُ، وَرَمَضَانُ، وَشَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، يَحُجُّونَ فِيهِ مَرَّةً ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنِ الْمُحَرَّمِ فَلَا يَذْكُرُونَهُ، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيُسَمُّونَ صَفَرَ صَفَرَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ رَجَبَ جُمَادَى الْآخِرَةَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ شَعْبَانَ رَمَضَانَ، ثُمَّ يُسَمُّونَ رَمَضَانَ شَوَّالًا، ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْقَعْدَةِ شَوَّالًا، ثُمَّ يُسَمُّونَ ذَا الْحِجَّةِ ذَا الْقَعْدَةِ، ثُمَّ يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ ذَا الْحِجَّةِ فَيَحُجُّونَ فِيهِ، وَاسْمُهُ عِنْدَهُمْ ذُو الْحِجَّةِ. ثُمَّ عَادُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، فَكَانُوا يَحُجُّونَ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَامَيْنِ، حَتَّى وَافَقَ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ الْآخِرَ مِنَ الْعَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَجَّتَهُ الَّتِي حَجَّ، فَوَافَقَ ذَا الْحِجَّةِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي خُطْبَتِهِ:(إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ)، ويقول الرازي:(منها أربعة حرم) قيل:هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، فقوله ولا الشهر الحرام يجوز أن يكون إشارة إلى جميع هذه الأشهر كما يطلق اسم الواحد على الجنس، ويجوز أن يكون المراد هو رجب لأنه أكمل الأشهر الأربعة في هذه الصفة)(مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير 11/ 280).أعزائي القراء..أكتفي بهذا القدر عن هذا الموضوع الهام.. وأسأل الله أن يجعلنا ممن أطاعه في الأشهر الحرم وفي سائر الأيام. محمود عدلي الشريف [email protected]