إنّ الله تعالى أرسل رسله رحمة للعالمين، وقد وهبهم سبحانه مواصفات خاصة بهم تتجلى في تصرفاتهم ومعاملاتهم مع الناس من قومهم، حتى يكونوا على أعلى مستوى من سرعة البديهية والذكاء، كما أنهم لديهم من الصفات من يجعلهم إذا تحاوروا مع أحد من الناس يقنعونهم بالحق، كما أنهم لديهم من الفطنة النادرة الخاصة بهم والتي يستطيع كل نبي منهم أن يظهر الحق للناس إذا تخاصموا وعرضوا عليهم تلك القضايا.ومن الأنبياء الذين تميزوا بهذا الذكاء واشتهر عنهم ذلك، وأخبر الله تعالى عنهم في القرآن الكريم في أكثر من موقف، فالنبي سليمان (عليه السلام) كان نبيًّا وابن نبيٍّ وكان ملكًا وابن ملك، ومما ورد عنه أنه (عليه السلام) كان لديه خاتم منقوش عليه محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد ورد في كتاب (عيون الأثر 1/ 82):(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وَسَلَّمَ:”كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ”).وقد برز (عليه السلام) في الحكم والقضاء والفطنة في الحكم، فنبي الله سليمان له في الحكم ما تندهش به العقول وتعجب منه الأفئدة، يروى أن سليمان (عليه السلام) أصاب الحق في قضايا كثيرة، منها:ما جاء في القرآن الكريم في سورة الأنبياء، الآيتان (78 ـ 79) من قوله تعالى:(ودَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِين، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ)،والقصة -كما جاءت في بعض الروايات:(أنّ جماعة لهم حرث من عنب دخلت فيه غنم قوم ليلًا فرعت العنب، فقضى داود بأن يأخذوا الغنم مُلكًا لهم في مقابل ثمرة الحرث التي فسدت، وحكم سليمان حُكمًا آخر، حيث قال: إن الحرث لا يخفي على صاحبه ما يخرج منه كل عام، فلصاحب الحرث من صاحب الغنم قيمة ما أفسدت الغنم، فتدفع الغنم لصاحب الحرث يرعاها ويحصل منها على الصوف والألبان وما يخرج من أولادها حولًا، فيستوفي منها ثمن حرثه، ويقوم أهل الغنم على الحرث حولًا يصلحونه ويراعونه حتى يعود كما كان، ثم يدفع الحرث إلى صاحبه وترد الأغنام لأهلها) (فتح المنعم شرح صحيح مسلم 7/ 49)، ومنها قصة ثانية: خلاصتها:(أنّ امرأة اُتهمت بالزنا فشهد عليها أربعة بذلك، فأمر داود برجمها، فعمد سليمان -وهو غلام ـ فصوّر ومثّل قصتها بين غلمان أمام الشهود ثم فرّق بين الشهود وسألهم وامتحنهم فيما رأوا فتخالفوا فدرأ الرجم عنها)، وهناك أيضا قصة ثالثة: وهي(قصة المرأة التي صب عند فرجها ماء البيض وهي نائمة ثم اُتهمت بالزنا فأمر داود برجمها فقال سليمان: يشوى ذلك الماء على النار فإن اجتمع فهو بيض وإلا فهو مني فشوى فاجتمع..والله أعلم) (المرجع السابق 7/50 بتصرف يسير).وعلى الرغم من هذا فإنّ الله تعالى أجرى على خلقه الأقدار الصعبة ليمتحنهم ويختبرهم، ولم ينجوا من تلك الابتلاءات نبي الله سليمان (عليه السلام)،جاء في كتاب (أعلام النبوة للماوردي، ص: 198):(في فتنته قولان:أحدهما: أن سليمان سبى بنت ملك غزاه في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون فألقيت عليه محبتها وهي معرضة عنه تذكرًّا لأبيها لا تنظر إليه إلّا شزرًا ولا تكلمه إلّا نزرًا، ثم إنها سألته أن يصنع لها تمثالًا على صورته فأمر به فصنع لها فعظّمته وسجدت له وسجد معها جواريها وصار صنمًا معبودًا في داره وهو لا يعلم به حتى مضت أربعون يومًا وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره ثم حرقه ثم ذراه في الريح، هذا قول شهر بن حوشب،والثاني:أنّ الله تعالى قد جعل ملك سليمان في خاتمه، فقال لآصف- وهو شيطان اسمه آصف الشياطين- كيف تضلون الناس؟ فقال له الشيطان:أعطني خاتمك حتى أخبرك، فأعطاه خاتمه، فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه). محمود عدلي الشريف [email protected]