إنَّ من أهمِّ ما يميِّز مهارة الاتصال والتواصل الاجتماعي بأنها مجموعة من الأدوات التي تستخدم لنقل المعلومات والأفكار لأماكن مختلفة، سواء في مكان واحد كالعائلة الواحدة أو الدائرة الواحدة أو بين عدَّة مجالات وأزمان وأماكن كالمؤتمرات الدولية، ويُعد من أبرز ما يتسلح به الدبلوماسي في مجال عمله.
يقتصر مفهوم الاتصال على وجود طرف واحد فعَّال في عملية الاتصال مثل مشاهدة التلفاز والبرامج المختلفة، أمَّا التواصل فهو عملية اتصال مشترك متبادل كالتواصل بين المعلِّم والطلاب.
يسود اعتقاد خاطئ لدى الغالبية من الناس أن التواصل أهمُّ من الاتصال، فبدون اتصال جيِّد لن يكون هنالك تواصل في المقام الأول، وبالتالي لن يكون هنالك علاقة، فالكائنات الحية جميعها تتواصل من أجل إيجاد اتصال ورابط يجمعها. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك اتصال جيد بين شخصين ستزداد رغبتهما في التواصل أكثر، فالاتصال القوي بينهما يزيد من تواصلهما، وبالتالي سيزدادان انفتاحًا على بعضهما البعض ويزيد شعورهما بالمصداقية والأمان والقدرة على المشاركة.
إنَّ عناصر الاتصال والتواصل تتمثل في (المرسل، المستقبل، الرسالة، وأخيرًا قناة الاتصال) والتي تُعد من أهمِّ مفاهيم هذه المهارة التي يستند إليها فن الدبلوماسية.
يبدأ تاريخ هذه المهارة تقريبًا من خلال الألواح الطينية المدوَّنة بالخط المسماري، وظهر اسم سومر في بداية الألفية الثالثة (ق.م)، وتؤكد الحفريات التي أُجريت في ولاية صحار أن صناعة تعدين وصهر النحاس كانت من الصناعات الرئيسية في عُمان قبل الميلاد بألفي عام، ويبدو من المؤكد أن دولة مجان التي ورد ذكرها في صحف السومريين هي ذاتها أرض عُمان، كما أن مادة اللبان المعروفة حاليًّا في عُمان والذي اعتادت ملكة سبأ أن تُقدمه للنبي سليمان )عليه السلام( كان ينتج في محافظة ظفار. وعليه، نرى الاتصال والتواصل لهاتين الحضارتين من خلال التبادل التجاري رغم بُعد المسافات، والواقع أن أهل عُمان عُرفوا ببناء السفن وهي إحدى وسائل الاتصال منذ زمن قديم وقد ركبوا البحار وتاجروا، وتوسطوا في نقل التجارة لغرض التواصل مع كيان آخر.
تتبارى أغلب المدارس الدبلوماسية والإعلامية في صياغة وتدوين النظريات والمفاهيم المتطورة والحديثة لفن مهارات الاتصال والتواصل، وهي من مرتكزات فن الدبلوماسية والتي تعتمد عليها كثيرًا في إدارة دفة المباحثات أو العلاقات العامة، سواء داخل البلد مع البعثات الأجنبية الموجودة على أرضها أو البعثات الخارجية التي تسعى لتطوير دبلوماسيتها مع البلد الذي توجد فيه.
والدبلوماسية ـ كما هو معروف لدينا ـ أداة السياسة الخارجية للدولة، وقبل الخوض في هذا المقال علينا التعرف على عنوان مقالنا وهو مهارات الاتصال والتواصل.
يعرف الاتصال بأنَّه عملية تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر بين الناس من خلال التخاطب، أو الحديث، أو الكتابة، أو لغة الجسد، بحيث يخلق ذلك تصورًا مشتركًا بين الأفراد، خصوصًا في المباحثات الثنائية الرسمية منها أو غير الرسمية، ويحدث تغيير في السلوكيات، ويسهل الحصول على المعلومات وتحقيق الأهداف المخطط لها بأفضل ما يكون وبأقل خسائر ممكنة.
أما تعريف التواصل فهو عبارة عن التفاهم ما بين طرفين معينين كنظامين أو كيانين أو شخصين لغرض الوصول إلى النقاط المتفق عليها بالنقاش، ويكون أحد الطرفين مرسلًا في وقت معيَّن، والطرف الآخر مستقبل في وقت آخر، ويحدث تفاعل إيجابي أو سلبي فيما بينهما، ويكون ذلك من خلال استعمال الحواس من قبل كل من المرسل والمستقبل على حدٍّ سواء، والذي ينبع من الرغبة الشديدة في التواصل. وتركز المدارس والمعاهد الدبلوماسية على لباقة الحديث ومهارة الإقناع والمراوغة في الكلام أو المباحثات لغرض الوصول إلى النتائج المرجوة.
تستند الدبلوماسية بكل تفرعاتها إلى هذه المهارة، وهي من أهمِّ مفردات الحياة؛ فالاثنان يشكِّلان قمَّة النجاح في الحياة اليومية، سواء على المستوى الاجتماعي مرورًا بالدوائر وصولًا إلى سلطة الدولة العليا في التعامل مع المحيط الخارجي، ومن خلال الاعتماد على هذين المبدأين “مهارات الاتصال والتواصل” في التعامل مع كل معطيات السياسة المحلية أو الخارجية.
إن هاتين المهارتين تُشكِّلان بالضرورة سلم النجاح والتفوق والتميز إذا أُتقن استخدامهما بجميع نظرياتهما ومبادئهما في المكان والزمان المخصص لهما، وإن أداة الدبلوماسية هي كيفية إدارة مهارات الاتصال والتواصل ومدى تأثيرها في تحقيق الأهداف المخطط لها من حيث تواصلها والنتائج المتوخاة من ذلك.
إنَّ نشاط مهارات الاتصال والتواصل تنبع من حاجة المجتمع في عالمنا اليوم، حيث أصبحت اليوم ضرورية؛ لأنَّ هذه المهارة تحلل سلوك وحاجة واحتياج الأفراد والجماعات والحكومات، وأن تنظيم العلاقات بين طرفين يعتمد كليًّا على الثقة والتفاهم والمنفعة المتبادلة، بالإضافة إلى الصدق ووضوح الهدف بشرط عدم المساس والانتقاص من الطرف الثاني، وهذا من شعار فن الدبلوماسية بل من أهمِّ جوانبه.
مهارة الاتصال والتواصل تُبنى بشكل جوهري على العنصر البشري والقيادة التي تُعد حجر الأساس في التقدم والتفوق على الآخرين، ومن هذه المؤهلات المطلوبة هي: (التخاطب، الاستماع، الكتابة، لباقة الكلمة، حسن المظهر، البساطة، التواضع، الثقافة، الحماسة، الكياسة، التنظيم في قدرة هيكلة العمل، التواصل والمتابعة، القدرة على التعامل مع المفاهيم الإدارية، إمكانية صنع واتخاذ القرار في الأوقات الحرجة، مواكبة التطور والمناهج الحديثة، وأخيرا الاهتمام بموضوع الإتيكيت، خصوصًا احترام الوقت).

** (المصدر: مقال/ للبروفيسور عبدالرزاق الدليمي)

د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق وأكاديمي