الفرق بين “علي بابا”، و”علي ماما” كبير زمنيًّا ونوعيًّا، ذلك أن الشخصية الأولى (على أغلب الظن) هي شخصية خيالية من نسج حكايات (ألف ليلة وليلة)؛ أما الشخصية الثانية، أي “علي ماما”، فقد كانت شخصية حقيقية لرجل من الفتوة (أو الأشقياء، كما يسمونهم البغاددة).وقد أضيف لفظ “ماما” على اسمه لسببين، الأول هو توازيه مع الشخصية الخيالية الأولى (العباسية المنشأ) والثاني، توازيه إشارة إلى احتمائه بوالدته (ماما)، في حالات الشدة وشعوره بالخطر المحدق. وقد كانت والدته امرأة تشتهر بالقوة وبشخصية نافذة في منطقة الكرخ، إذ يخشى الجميع الاحتكاك بها.أما “نظام الفتوة”، المشار إليه في أعلاه، فيقصدون به هؤلاء الرجال الذين يوازون شخصية “روبن هود” في التراث الإنجليزي؛ لأنهم رجال أقوياء ينصرون ويساعدون الضعيف والفقير، ويسرقون من القوي والغني لإعطاء الفقير، فهو إذًا، نظام يعود إلى العصر العباسي المتأخر، أي عصر ضعف الدولة المركزية ببغداد، حيث ضعف قوات حماية القانون وفرض العدالة، الأمر الذي قاد إلى ظهور الفتوة، أي هؤلاء الرجال الأقوياء الذين أخذوا على عاتقهم مهمات فرض نوع من النظام والتوازن الاقتصادي بالقوة وبسلطة الخوف.وإذا كان ذلك النظام من ميزات بغداد عاصمة الدولة العباسية على مراحل ضعفها، فإنه قد تواصل في العراق حتى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إذ شهدت بغداد أسماءً لفتوة (أشقياء) نزقين، من قبيل “جاسم الأعور” و”جبار الكردي: و”حسين حبة” من بين آخرين، زيادة على شخصية “علي ماما”، تلك الشخصية التي لم تزل ماثلة في الذاكرة في بغداد حتى اللحظة، فهي تستذكر بمزيج من الأسطرة والتخويف: فبعد أن قوي عوده، تحوَّل “علي الحيالي” إلى “علي ماما” الأكثر شهرة في منطقة سوق حمادة. وقد كان شابًّا شجاعًا لا يخشى المخاطر ولا قوات حفظ النظام، درجة تكليفه من قبل مضادين باغتيال الرئيس السابق، صدام حسين، وذلك بعد ذهابه إلى القاهرة سنة 1968، أي أثناء مرحلة تذوقه مرارة الفقر والعوز، كما ضعف علي ماما اقتصاديًّا درجة افتراش حدائق مصر العامة للمبيت.ولم يزل ذكره باقيًا بين ختيارية الكرخ ببغداد حتى الآن، برغم مرور السنين، نظرًا لجرأته وتجشمه مواجهة الأهوال والمصاعب: ثم ما لبث أن اختفى نجمه، كما اختفت العديد من أسماء الفتوة (الأشقياء) بعد أن انتفت حاجة النظام الحاكم إليهم في العراق حقبة ذاك، خصوصًا بعد توظيفهم في أعمال عنف واغتيالات سياسية عديدة. وهكذا طويت صفحة الفتوة التي فتحت أواخر العصر العباسي ببغداد (ألف ليلة وليلة) كي تبقى كذلك حتى طواها النسيان مع تعاظم سطوة الدولة المركزية بأدواتها المختصة للحفاظ على القانون وفرض النظام والعدالة. أ.د. محمد الدعميكاتب وباحث أكاديمي عراقي