«.. ويشهد التاريخ أن المرأة في بداية الستينيات نشطة في إنشاء منظمات وجمعيات نسائية تهتم بالمطالبة بتحسين أوضاع معيشة المرأة، فدعت تلك الجمعيات لإلحاق المرأة بالتعليم النظامي، كما شجعتها على تعلم سياقة السيارة، وخروجها للعمل..»

تميل المرأة بطبيعتها للعمل التطوعي الإنساني، فقد أودع الله في قلبها غريزة الأمومة، وفي كلمة الأمومة تجتمع معاني الحُب والحنان والإيثار والتضحية لأجل الآخرين، كما أن من معاني الأمومة الحرص على تربية النشء على الأخلاق الحميدة والقِيَم والسلوكيات المستقيمة، وتعزيز الفطرة السليمة وغرس معاني الدِّين والالتزام بتعاليمه، فهي مربية بطبيعتها لأبنائها ولكل من حولها، وهي شخصية بطبيعتها تعزز القِيَم السليمة والالتزام والانضباط في المجتمع، وتستنكر وتقاوم كل ما يخالف ذلك. وهي بحنانها وبقلبها الرحيم تتعاطف مع الضعفاء من أطفال ومسنِّين وفقراء، وأيتام، ومعوقين. ومن هنا تجد المرأة قد أخذت على عاتقها ـ أُمًّا عن جَدة ـ مسؤولية الحفاظ على قِيَم المُجتمع والتعاليم الدينية، فالمرأة كونها أُمًّا وأُختًا وخالة وعمَّة دائمًا تتصدَّى لقضايا التربية وتنشئة أطفال العائلة على القِيَم والدِّين.
ومن هنا كان اهتمام المرأة بالعمل التطوعي، فهي بما تملكه من مشاعر إنسانية كالحُب والتعاطف والحرص على تعزيز قِيَم المجتمع يجعلها تمتد بعطائها لتخرج عن نطاق أُسرتها وعائلتها إلى الآخرين، فلا يقتصر عطاؤها على الأقربين فقط، بل يمتد إلى جميع أفراد المجتمع في صورة عمل تطوعي إنساني.
فنلاحظ أن المرأة خدمت تطوعا في عدة مجالات كمساعدة الأيتام ورعايتهم، والعناية بالمسنِّين، وبرامج تنمية الأسرة، بل إنها نشطت بشكلٍ واسع في الأعمال الخيرية والتي تهدف إلى توفير احتياجات الأُسرة من أكْل وشرب وملبس، ومسكن وعلاج وتعليم، مستعينة بتبرعات المقتدرين لتوصلها للأُسر المحتاجة. ولا تكتفي بتوفير التبرعات للأُسرة، بل تتعداها لتقديم الإرشاد الأُسري والنصح لأفراد الأُسرة لتحسين معيشتها.
ويشهد التاريخ أن المرأة في بداية الستينيات نشطة في إنشاء منظمات وجمعيات نسائية تهتم بالمطالبة بتحسين أوضاع معيشة المرأة، فدعت تلك الجمعيات لإلحاق المرأة بالتعليم النظامي، كما شجعتها على تعلم سياقة السيارة، وخروجها للعمل، واستقلال المرأة ماديا، كما ساندت المرأة في وصولها للمناصب القيادية، وقد نجحت المرأة من خلال تلك الجمعيات في تحقيق العديد من المكاسب وإحداث التغيير الاجتماعي.
وبالرغم من إسهام المرأة بشكلٍ واضح في العديد من مجالات العمل التطوعي، إلا أنه من الملاحظ انحسار دورها في الجانب الإداري بالجمعيات، فتجد تراجع دور المرأة في المشاركة في مجالس إدارة الجمعيات، ولا تجد اهتماما من المرأة في الترشح في انتخابات مجالس الإدارة. وفي تقديري أن هذا الأمر لا يُعدُّ أمرا غريبا بالنسبة للمرأة، فالمرأة تنشط في العمل التطوعي بدوافع إنسانية، ورغبة صادقة لمساعدة الناس وخدمة المجتمع، وبالتالي هي لا تريد أن تنصرف إلى العمل الإداري في الجمعية، أو تنشغل بالإدارة المالية للمنظمة الأهلية، فهي تهتم بالتواصل المباشر مع فئات المجتمع لمساندتهم ومساعدتهم.
وعموما فإنه على الرغم من اهتمام المرأة بالعمل التطوعي، إلا أن هناك العديد من التحدِّيات التي تسبب تراجع دور المرأة في التطوع، ولعلَّ من أبرز هذه التحدِّيات انشغال المرأة بشؤون أُسرتها وتدبير شؤونها وتربية أولادها، فهذه المسؤولية تأخذ نصيبا كبيرا من ساعات يومها ومن جهدها وطاقتها، لا سيما إذا كانت هذه المرأة موظفة ولديها أعباء وظيفية، ومن هذه التحدِّيات الضوابط الاجتماعية التي تحدُّ من خروجها للعمل التطوعي، فبعض المجتمعات لا تتقبل خروج المرأة للعمل التطوعي والمشاركة في الجمعيات، وفي كثير من الأحيان تجد المرأة على الرغم من نشاطها التطوعي الواسع، إلا أنها تبتعد عن وسائل الإعلام حفاظا على الضوابط الاجتماعية، ويتراجع دور المرأة في الأنشطة التطوعية التي تحفها المخاطر على حياتها أو سلامتها، كالتطوع للإغاثة في حالات الكوارث، كالكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات، والقحط، أو الكوارث التي تكون من صنع البشر وأهمها الحروب، والتطوع لإغاثة الناس في مثل هذه الظروف عادةً ما يكون محفوفا بالمخاطر، ناهيك عن أنه يتطلب في كثير من الأحيان السفر إلى تلك الدول المنكوبة في ظروف صعبة. ومن الأسباب التي تجعل المرأة تعزف عن العمل التطوعي كثرة الخلافات التي تدب بين المتطوعين، لذا تترك المرأة العمل التطوعي تجنبا لهذه الخلافات ورغبة منها في البُعد عن المشاكل، لذا تجدها تنسحب من ساحة العمل التطوعي لتحمي نفسها من تبعات الخلافات بين المتطوعات. وبالرغم من تلك الصعوبات إلا أنه يبقى للمرأة دور كبير في التطوع، وتُعدُّ عنصرا أساسيا في الخدمات الاجتماعية التي يقدِّمها المجتمع المدني، كما أن دورها في العمل التطوعي لا يقتصر على الخدمات الاجتماعية، بل يمتد إلى التغيير الاجتماعي والتأثير في ثقافة المجتمع ونشْر القِيَم السليمة والحفاظ عليها، فالمرأة هي عنصر فاعل في المجتمع المدني وتؤثر فيه بشكلٍ كبير... ودمتم أبناء قومي سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
[email protected]
Najwa.janahi@