نعاود الحديث في قانون العمل العماني، حيث نخصص حديثنا في هذه المقالة لنبين حالة- في اعتقادنا من الأهمية- لصاحب العمل والعامل على السواء الاحاطة بها. وهي انتقال ملكية المنشأة من صاحب عمل الى صاحب عمل آخر أو قد يتغير شكل هذه المنشأة أو مركزها القانوني الى شكل آخر، فهل لهذا الانتقال وهذا التغير أثر على عقود العمل والحقوق المصاحبة لهذه العقود...؟ هذه التساؤلات وغيرها سنجيب عليها في هذه المقالة. فقد يضطر صاحب العمل أحيانا لأسباب عديدة إلى بيع منشأته، وقد تستدعي في أحيان أخرى ظروف السوق وما تتطلبه المنافسة وتطوير منتجات تلك المنشأة الى أموال كبيرة لا يتأتى لصاحب المنشأة توفيرها الا من خلال الاندماج مع منشأة أخرى تشكلان كيانا اقتصاديا قادرا على التحدي والاستمرار. وبالتالي فإن انتقال ملكية المنشأة (المشروع) بالبيع أو التأجير التي يعمل لديها العامل من صاحب العمل الأصلي (السابق) إلى صاحب عمل جديد أو ألت إليه بأي تصرف مهما كان نوعه. أو تم تغير الشكل القانوني للمنشأة سواء بالاندماج أو غيرها من الطرق القانونية، فإن هذا الانتقال وهنا التغيير لا أثر له على عقود العمل، اذ تظل جميع عقود العمل التي تكون قائمة وقت حدوث هذا التصرف سارية ومستمرة بقوة القانون اعتبارا من وقت التحاق العامل لدى صاحب العمل السابق، ولا يستطيع صاحب العمل الجديد (الخلف) إنهاء أي عقد منها دون مبرر مشروع أو مسوغ قانوني والا دخل في دائرة الإنهاء أو الفصل التعسفي، ولكن بطبيعة الحال يشترط لاستمرار عقود العمل السابقة بقاء المنشأة مع نشاطها السابق أو تعدد أنشطتها من خلال استحداث أنشطة أخرى مع استمرارية نشاطها السابق قبل انتقال ملكية المنشأة أما اذا قام من آلت اليه المنشأة أو المشروع بإحداث تغيير جوهري في نشاط المنشأة فإنها تعتبر قد انقضت وتنتهي معها عقود العمل القديمة كما لو كانت المنشأة تمارس نشاطا لصناعة الأثاث وحول مالكها الجديد ذلك النشاط إلى ورشة لصناعة المواد الغذائية. مع التأكيد على مراعاة حقوق العامل في هذا الشأن. هذا ما أكدت عليه المادة (47) من قانون العمل حيث جرى نصها بالآتي".... وفيما عدا حالات التصفية والإفلاس والإغلاق النهائي المرخص به يبقى عقد العمل قائما..".وقد ساق القضاء على ذلك من خلال عدد من المبادئ أكد عليها في هذا الشأن منها، لا يكون لانتقال ملكية المشروع أو إحدى منشآته بأي تصرف أثر على عقد العمل الذي يبقى قائما مع الخلف وتستمر علاقة العمل بقوة القانون ودون حاجة إلى اجراء آخر ويكون الوضع كما لو كان قد أبرم عقد العمل منذ البداية مع الخلف الا أنه يشترط أن يكون التصرف ناقلا للملكية ويصبح بمقتضاه خلفا له. "وهنا تعدد الضمانات التي يوفرها قانون العمل للعامل، فلا يكفي أن يستوعب مالك المنشأة الجديد العمال الذين كانوا يعملون قبل انتقال ملكية المنشأة، انما فوق ذلك يجب عليه منحهم ذات المزايا والحوافز المالية المتعددة التي كانوا يتقاضونها قبل انتقال ملكية المنشأة أو تغيير شكلها القانوني أي عدم الانتقاص من حقوقهم السابقة، اضافة إلى ذلك يتوجب على صاحب العمل الجديد (الخلف) مراعاة أقدمية العمال بضم خدماتهم السابقة إلى خدماتهم اللاحقة، باعتبار خدماتهم تعتبر مستمرة من وقت التحاقهم لدى صاحب العمل السابق "السلف" وبالتالي يتعين هنا احتساب جميع حقوقهم ومزاياهم ومكافآتهم ما بعد الخدمة أو معاشاتهم بحسب الأحوال من تاريخ التحاقهم لدى صاحب العمل السابق وليس من تاريخ انتقال ملكية المنشأة.أكدت على ذلك المادة (48 مكرر) من قانون العمل "يلتزم صاحب العمل بتشغيل القوى الوطنية التي كانت تعمل بذات المشروع الذي آل اليه كليا أو جزئيا، وذلك بنفس المزايا والحوافز المالية السابقة طالما كان ذات العمل قائما ومستمرا." وفوق ذلك لا تنتهي مسؤولية "السلف" عن حقوق عماله عند انتقال ملكية المنشأة الى صاحب عمل جديد اذ يظل مسؤولا بالتضامن مع الخلف عن تنفيذ كافة الالتزامات عن عقد العمل بدلالة المادة (48) من ذات القانون حيث جرى نصها "يكون أصحاب العمل مسؤولين بالتضامن فيما بينهم عن أية مخالفة لأحكام هذا القانون كما يكون المتنازل لهم عن الأعمال كلها أو بعضها متضامنين مع صاحب العمل الأصلي في الوفاء بجميع التكاليف التي تفرضها الأحكام المشار إليها" مجمل القول إن انتقال ملكية المشروع إلى الورثة أو الغير بالبيع أو الهبة أو تغيير شكلها من خلال تقديمها حصة في شركة أو باندماجها في شركة أخرى تظل عقود العمل القائمة وقت حدوث الانتقال أو التغير سارية ومستمرة قبل صاحب العمل الجديد بنفس المضمون وبذات الشروط - الا اذا كانت الشروط الجديدة والمميزات اللاحقة أكثر سخاء للعامل. مما يعني ذلك الخروج عن المبادئ العامة - التي تقضي بانقضاء عقد العمل عند انتقال ملكية المشروع وعدم التزام الخلف بتشغيل العاملين لديه- تأكيدا على الطبيعة العامة لقانون العمل من أنه قانون يخاطب قطاعا عريضا من المجتمع ارتبط وجوده ونشأته باعتبارات انسانية تهدف إلى تحسين أحوال العامل وظروف معيشته وتحقيق أكبر قدر من الضمانات التي تحميه وتبقيه على مورد رزقه. لمزيد من الايضاح يمكن للقارئ الرجوع إلى الباب الثالث من قانون العمل العماني. سالم الفليتي محام ومستشار قانوني كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية [email protected]