حرمتها ظروفها وظروف أسرتها من التعليم في المدارس النظامية، كبرنا معا في أسرة واحدة فهي أختي وترتيبها بين إخواني كان الخامس تنازليا، وعندما كبرنا لم تكن المدارس متاحة في الجبال، فأتيحت الفرصة لنا نحن الأولاد أن نلتحق بمدارس المدينة وحالت ظروف أسرتنا دون السماح لأختَي طفول ولخيار بالذهاب إلى المدرسة. كانت طفول نبيهة ومحبة للعلم، فأقبلت بشغف على التعلم، فكنت أعلمها هي وأختي لخيار مبادئ القراءة والكتابة في الفترة المسائية، واستطاعت في وقت قصير جدا تقرأ وتكتب ثم بدأت مرحلة تعلم ذاتي، فأقبلت بنهم تقرأ وتدرب نفسها على الكتابة والخط، بعد ذلك التحقت بفصول محو الأمية المتنقلة التي كانت وزارة التربية والتعليم توفرها للمناطق الجبلية والنائية، وسنحت لها فرصة أكبر للتعلم والنمو؛ فأقبلت بشوق ورغبة جارفة على التعليم، كانت مثابرة جدًّا، وجادة جدًّا فاستطاعت أن تتجاوز كثيرًا من المستويات التعليمية حتى تمكنت من إتمام المرحلة الإعدادية، ثم التحقت بالمرحلة الثانوية.ومع كل اجتهادها كانت طفول بارة بوالديها وواصلة لأرحامها حتى صارت مضرب المثل في الاجتهاد للتوفيق بين دورها في خدمة والديها وتكريس ما يتبقى من وقتها للتعليم والعبادة.بعد ذلك بدأت تحفظ القرآن الكريم، وكانت تتعهد حفظه بصلاة النوافل وقيام الليل تحديدًا. اتبعت طفول نظامًا صارمًا لتحقيق المعنى من وجودها في الحياة.صارت بمرور الأيام صوامة قوامة تصوم جميع النوافل وتقوم الليل إلا قليلًا. وكانت تستثمر وقتها عندما كانت تخدم أبي ـ رحمه الله ـ فأخذت عنه معرفة أنساب الناس وقبائلهم، حتى صارت مرجعًا لي ولإخواني في هذا المجال، وتأثرت بوالدي الذي عرف بالصمت والاستماع أكثر مما كان يتكلم، وصارت شخصيتها شبيهة به، ومن يعرفه صار يرى كثيرًا من شمائله في تصرفاتها وفي طباعها. كبر الدور الإنساني لطفول حتى ملأ كل حياتها ودفعها إلى تعلم قيادة السيارة، التي أتاحت لها خيارات أوسع لتوزيع وقتها بين خدمة أمي وخالتي وخدمة الناس وعمل الخير الذي يدخل السرور والبهجة على الأيتام والمساكين.عندما كنت أزور أمي كانت حيوية طفول وطاقتها الإيجابية تستلمني عند الباب؛ فأدرك أن رائحة الفرح تعطر المكان، وأن حيوية طفول قد غشيت البيت، وأن البركة تنتشر في كل ناحية من المكان.كان آخر لقاء جمعني بها قبل وفاتها بيومين، استقبلتني ووجهها يتلألأ نورًا، سلمت عليها وقلت لها مداعبًا أنت يا أختي أكثر جمالًا من أي وقت مضى، فنور العبادة يملؤ محياك، تبارك الله.أمضيت معها بحضور أمي وبنات أختي وقتًا مملوءًا بحضورها الجميل، وفي اليوم التالي كانت تقود سيارتها إلى نيابة مدينة الحق لتقديم واجب العزاء في أحد أقاربنا وفي اليوم الثاني للعزاء عادت ومعها ابنتها وابنة أختها فحان وقت استرداد الأمانة، لقد اختار الله سبحانه وتعالى لحظة جميلة لينقل طفول إلى حياة أجمل وأرحب وكأنه يخاطبها بأن زمن المعاناة قد انتهى وحان وقت المكافأة.كانت طفول تقود سيارتها بهدوء متجهة إلى صلالة، وفي مكان بين مركز شرطة طاقة وخور صولي ازدحم الشارع بالسيارات، وكانت تقود سيارتها بهدوئها المعتاد وهي تستثمر وقتها في ذكر الله، كانت صائمة وزاحمها الأجل من خلال سيارة كانت تسير بجوارها على خط سيرها من جهة اليمين وعندما حاولت أن تتفاداها بتحريك مقود سيارتها قليلًا إلى جهة اليسار كان الأجل كان أسرع، وقع حادث سير أليم طوى صفحة المعنى لحياة طفول ونقلها من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.* د. أحمد بن علي المعشني رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية