رواية فتنة العروش لزوينة الكلبانيمحمد الرحبي:دائما التاريخ، يكتبه المؤرخون بلغتهم وأسلوبهم، الذي لاينقصه الجفاف، لكن ان يتم كتابة التاريخ سردا متخيلا، فهو بحد ذاته عمل شاق في ظل شح المصادر عن الشخصية، لتقديم متعة السرد بحواراته وشخوصه وفضاءاته، وفي الفترة الأخيرة، صدرت روايات مهمة لكاتبات عمانيات، من بينها رواية فتنة العروش للكاتبة زوينة الكلباني صدرت عن دار كلمات بدولة الكويت. ارتبطت الرواية منذ البداية بشخصية مهمة وهو الملك الشاعر سليمان بن سليمان النبهاني الشخصية المحورية في الرواية، والمكان ايضا مقرحكم ال العتيك. وحول المكان فقد تحدث عدد من النقاد ومن بينهم شارغريفل الذي يقول (ان المكان في الرواية هو خديم الدراما، فالإشارة إلى المكان تدل على أنه جرى قيام حدث ما، وذلك لأنه ليس هناك مكان غير متورط في الأحداث) وبالعودة للرواية، نجد انها مزيج من الصراعات والرومانسية والخيانات، محورها الملك الشاعرسليمان بن سليمان، الذي عاش كما تصفه الرواية، في القرن التاسع الهجري ودام حكمه أكثر من 5 عقود، حيث ظل عرش العتيك تائها ٥٨عاما في ظل سيطرة من يسمون بأهل الحل والعقد. ورغم ذلك استطاع الملك سليمان أن يستعيد مجد اجداده وهو على اعتاب الستين من عمره. حيث نجد الكاتبة في الرواية، رغم إمساكها بحبكة الرواية وقدرتها على تحريك الشخوص، وربط كل ذلك بتصاعد الأحداث منذ بداية الرواية، نجدها ايضا تحاول أن تكون الشخصية الملمة بالتاريخ وبالجوانب الاجتماعية والثقافية ابتداء من الشخصية المحورية الملك سليمان بن سليمان التي تحاول الكاتبة تلميعه بشكل غير محايد مما يدل على أن العمل تم دراسته بعناية قبل الشروع في كتابته، وهذا بطبيعة الحال يحسب للكاتبة وهناك كثير من الملاحظات سنثيرها أيضا في نهاية القراءة عن الرواية وهذا العمل المتميز. تبدأ الرواية وهو اشبه بمدخل، من خلال مازن وزوجته نور، مازن يعمل كمحقق جنائي، ونور في تحقيق الكتابات التاريخية، دام زواجهما خمس سنوات، ولديهم طفل في العام الثالث من عمره.كان طموح نور تحقيق طروس سليمان بن سليمان وتنشره في كتاب وتم العثور على النسخة الأصلية في حصن اسود ببلدة مقنيات كان مخبئا داخل صندوق تجويف في جدار تبين ان بعض اوراق المخطوط متضررة وتم ترميم التالف منها يدويا بسد الفراغات والثقوب وهي عبارة عن طروس الملك سليمان بن سليمان النبهاني. تشير الرواية أن الملك سليمان دخل نزوى يوم السبت ١٠محرم ٩٤٦هـ ثم توجه الى بهلا ارث النباهنة، وتبين الرواية الصراعات منذ البداية نتيجة بعض الأخطاء التي وقع فيها الملك سليمان، عندما احسن الظن في القريب والبعيد. الامر الذي طاردته الطعنات والمؤامرات. ورغم ذلك صمم على نسخ طروس الملك سليمان التي كتبها بنفسه ليضمنها في متناول الأيدي. في بداية الطرس الأول من الرواية نجد الرواية تنقلنا الى بيت العميري، حيث نجد الملك الشاعر سليمان بن سليمان يعشق راية فائقة الجمال، تتزين من هدايا الملك وأجود أنواع العطور والمسك، الذي تجلبه المراكب العمانية من مدينة خانقون بالصين. بينما السجاد يغطي أرضية الغرفة ذات اللون الأحمر. كلون حبات رمان الجبل الأخضر. والد راية، صديق الملك الشاعر سليمان وهو من الشخصيات المهمة ومتبحر في علوم اللغة والادب ونجد الرواية تنقلنا إلى أجواء وهوية بيت العميري والمجتمع العماني قديما في بعض تفاصيل الحياة والعادات العمانية القديمة، من خلال ممارسة بعض الشخوص من النساء. وهناك ايضا والدة الملك سليمان. وتدعى جليلة، تعتبر سيدة الرأي، فوضها الملك سليمان أمره في كثير من الأمور، وكانت على احسن تدبير، وكان المجلس الذي تؤمه يعج بالنساء، تنظر في مظالم النساء وشكوى القادمات من أقاصي أقاليم عمان. يتميز بيت العميري كما تصفه الرواية ببعض الضوابط الصارمة مايتعلق بالتعليم والالتزام بالصلاة للبنين والبنات وتعليم الفروسية، والضرب بالسيف، هناك أيضا من الشخوص وتدعى المعلمة صفية وهي زوجة عميد الكتاب عامر بن سلطان حيث لم يكتب لهما الذرية . ثم تنتقل بنا الرواية عبر طروسها في بعض المواقف الجميلة المتعلق بعمل الوقف حيث نجد الملك سليمان يأمر بوقف تحصيل البساتين مايقارب ٢٠بستانا في نزوى وبهلا من أجل تحصيل العلم.وتستمر الصراعات والخيانات في بيت ال العتيك، فنجد الأمير حسام شقيق الملك سليمان يريد أن يغتصب الحكم من أخيه الملك سليمان بحجة أن الملك سليمان شاعر ولايصلح للحكم. ونجد النوافل والسوالم يساندون الأمير حسام في حربه مع اخيه الملك سليمان. الا ان الملك سليمان كان يتميز بالحلم وكان مترددا في مقاتلة اخيه الأمير حسام. وتنتقل بنا الرواية عبر مناخاتها بين تحالفات الملك سليمان مع القبائل لحماية طرق التجارة في عمان الداخل، وعلاقاته مع حاكم قلهات سلجور شاه، إلى علاقته مع ملك هرمز، توران شاه، الذي يهدي الملك سليمان طاهيا فارسيا الذي تميز بطهي الأطباق الفارسية غير المعتادة في البيت العميري. ثم تنتقل الرواية الى بعض المحطات التاريخية، كحكم بيبي مريم لقلهات لاكثر من ثلاثة عقود وهي امرأة تقية كما تصفها الرواية، والأمر المثير في الرواية ايضا هو زفاف حفيدة ملوك النباهنة للاعاجم من قبل الملك سليمان وهناك من يرفض هذا الزواج من بيت ال العتيك. الا ان الملك سليمان يصر على الزواج باعتبار ان ملوك هرمز عرب أقحاح وهم أزد منا وفينا، وقد دبر الزواج توران شاه ولد سلجورشاه لايمانه أن الزيجات من شأنها تمكين عرى القرابة وبناء جسور قوية للممالك. وتنتقل بنا الرواية اعتبارا من الطرس السادس الى أهم التحولات في بيت العميري والذي تعنون بسرقة التاريخ، حيث يقوم الملك سليمان بفتح الصندوق الخشبي موشى برقائق الفضة وأخرج كتابا ضخما مجلدا تجليدا لافتا للانتباه ومكتوبا عليه بخط انيق المحتصر في تاريخ نباهنة العتيك عمره يزيد عن مئتي عام مجهول المدون، يتحدث عن ملوك النباهنة وحروبهم ومآثرهم، وعلاقتهم ومراسلاتهم مع غيرهم من الشعوب. لكن بسبب الهجوم على دار الكتب ونهبها من قبل اناس مجهولين فقد اختفى سفر النباهنة. في الطرس السابع تنقلنا الرواية الى محاولة الائمة المناوئين للنباهنة وانصارهم، محاولة كسب ود آل مفرج، ولذلك التقوا بالعلامة ابن مفرج اكثر من مرة ليمرروا افكارهم ومبادئهم بين الحين والآخر. حيث اجمعوا على عمر بن الخطاب الخروصي الذي كره حكم النباهنة، وحظي بمباركة بعض العلماء والفقهاء من أهل الحل والعقد بعد ماوجدوا في الخروصي صورة الامام الذي يريدون. في الطرس الثامن يتناول حرب الملك سليمان في نزوى مع الامامة بزعامة الامام عمر بن الخطاب الخروصي، حيث يتم التحالف مع الجبور وعلى اثرها توجه الخروصي الى الاحساء لمقابلة الامير أجود بن زامل الجبري أمير الاحساء زعيم الدولة الجبرية وحصلت معركة كبرى بين الملك سليمان وأنصاره والجبور ومناصريهم جماعة الامام الخروصي، وانتصر الجبور واحتلوا نزوى وبهلا ويغادر الملك سليمان إلى قشم وهناك يلقى ترحيب أهل قشم والشيخ أجاويد ويظل الملك سليمان في ضيافة الشيخ اجاويد وتدور في راس الملك سليمان افكار لاستعادة ملك العتيك ومجدهم وغيرها من المواقف. وكما يقولو براتراند رسل (ثلاثة صفات ظلت مطلبا غريزيا للإنسان وهي صفات المجد والسلطة والتنافس) وهكذا تبدوا الصورة في حياة الملك سليمان صاحب المجد الذي سلب منه، وبالعودة للرواية، يمكن اعتبارها من الروايات المهمة وتشكل مع روايات كثلاثية غرناطة وسمرقند وربيع قرطبة كأهم روايات تناولت التاريخ سردا،ورغم سلاسة لغة رواية فتنة العروش الا أن بسبب تكثيف الحوارات جعل اللغة أقرب الى الدراما الامر الذي طغى على السرد/الحكاية. كما أن المبالغة في تلميع شخصية الملك سليمان افقد الرواية الحياد، أيضا مصاهرة الملك سليمان للفرس ودور الجبور في كل تلك الصراعات التي أدت إلى هزيمة الملك سليمان ومغادرته الى قشم. نعتقد كل ذلك يعتبر ضرب من خيال العمل الروائي وفلسفته، حيث لم تذكر كتب التاريخ ذلك، أذا ما اعتبرنا أن فترة حكم النباهنة فترة مليئة بالغموض ولا توجد مصادر تحيط بتلك الفترة، رغم اشارة كتاب كشف الغمة للازكوي لفترة حكم ملوك بني نبهان المتأخرين .ورغم ذلك تعتبر رواية فتنة العروش من الروايات المهمة عن الملك الشاعر سليمان بن سليمان بن المظفر النبهاني.