نجوى عبداللطيف جناحي:يا ولدي أراك معتزا بعضلاتك المفتولة، فخورا بقوتك، أراك تستعرض عضلاتك في شجارات مع زملائك بالمدرسة، ومع شباب الحي فتضرب هذا، وتهدد ذاك، وتقفز من سور المدرسة مستعرضا مهاراتك في القفز، متجاهلا أن لهذه المؤسسة نظاما للخروج والدخول، متناسيا أن للمدرسة بابا يمكن الخروج منه، ومتحديا حارس باب المدرسة والمعلم المشرف.يا ولدي لم ترسم لنفسك صورة مرعبة أمام أخواتك وأخيك الصغير؟! فأراهم يتجنبون التواصل معك، فلا يجالسونك ولا يتحدثون معك خوفا من ثورات غضبك واستعراضاتك غير المتوقعة والمرعبة لقوتك، وعضلاتك المفتولة، وصوتك الجهوري الذي يفزعهم.. نعم يا ولدي أصبحت أخاف عليك من العزلة، وأخشى عليك أن تكون منبوذا في البيت وفي المدرسة بل وحتى في الحي، أخشى أن يأتي اليوم الذي تكون فيه بلا صديق وبلا قريب.أقرؤك جيدا يا ولدي، أقرأ معاني تصرفاتك، وأسباب رعونتك، وربما بطشك، أدرك تماما أنك تفعل كل هذا بحثا عن احترام الآخرين لك، فأنت تريد أن تصنع لك شأنا بين الناس، تريد أن تصنع لك مكانة وهيبة في البيت وفي المدرسة، لكنك أخطأت الطريق يا صغيري، فها أنا أرى إخوتك يتأففون من مجرد سماع صوت مفتاح المنزل في يدك مؤذنا بقدومك، ويتذمرون من بقائك في المنزل، وها أنا أستلم الشكاوى من المدرسين وأهالي أصدقائك من سوء معاملتك.. أصبحت شخصا غير مقبول ممَّن حولك.ما زلت أذكر أول استدعاء استلمته من مدير المدرسة ليناقش معي المشرف الاجتماعي سبب ضربك لأقرب صديق لك، فقد ضربته ضربا مبرحا حتى أدميت أنفه، وعندما سألتك قلت إنه يحرجني أمام أصدقائي ولا يحترمني، وتلت تلك المشاجرة مشاجرات كثيرة، وكلما سألتك عن سبب ضربك لزملائك؟ تجيب بأنهم لا يحترمونني أو أنهم يهينوني، وكأن البحث عن احترام الآخرين ضالتك، وكأن إثبات الذات همك الأكبر قي هذه الحياة.لا تفسر بعد الناس عنك وحذرهم من تصرفاتك احتراما لك، بل هم يتجنبونك أخذا بمقولة الصحابي الجليل سعد بن معاذ ـ رحمه الله ـ (جانبوا الأشرار وجالسوا الأخيار). ظللت الطريق يا ولدي فأنت شخص يتجنبك الناس ولكن لا يحترمونك.أتظن أنك تكسب الاحترام ببطشك وقوتك!!! لا يا ولدي، فهناك طرق مختلفة لكسب الاحترام. فبتعاملك بلطف وود وتهذيب مع الآخرين تكسب احترامهم، وفي مساعدتك للناس وتعاونك معهم وتقديم خدمات لهم كسبٌ لاحترامهم، ولكن في الوقت نفسه لا تبالغ في لطفك، فلا تكثر الاعتذار ولا تكثر الشكر والامتنان، فكن معتدلا في لطفا فخير الأمور الوسط. حقق نجاحا، وسجل إنجازات فالناس تحترم النشيط الكفؤ، وفي الوقت نفسه لا تتباهى بهذه النجاحات وكن متواضعا.تجنب انتقادك للآخرين ومحاولة التقليل من قدرهم بالنميمة، وتصرف دائمًا وكأن الشخص الذي تتحدث عنه موجود بجانبك. فعليك احترام الآخرين، حتى وإن كنت لا تحبهم... وإن تكلمت من وراء ظهر الناس، فهذا سيعني خسارتك لاحترام الناس لك.عليك احترام الآخرين، حتى لو لمست فيهم الكثير من السلبيات. فكل شخص لديه صفات مرغوبة وأخرى غير مرغوبة. فقدّر الجوانب الإيجابية لديهم وتجاوز عن الجوانب السلبية لديهم، فعليك أن تستوعب هذا المنطق بعقلك وتؤمن به بقلبك، وتكلم من هذا المنطلق فقناعاتك الداخلية تنعكس على منطقك وحديثك دون أن تشعر، فسيشعرون بمدى احترامك لهم أو مدى ازرائك لهم.يا ولدي لا تكن ثرثارا كثير الكلام، فتخوض كل حديث سواء كنت تفهم في هذا الموضوع أو لا تفهم!!! فإذا نطقت فأوجز، وتحدث حديث العارف وإلا في صمتك احتراما لنفسك وعلو لمقامك، ولا تكثر الضحك، ولا تبالغ في إضحاك من حولك، ولكن كن مرحا بشوشا، فخير الأمور الوسط.يا ولدي إن أردت كسب احترام الناس تعلم أن فنون قول كلمة (لا) لم تقولها؟ ولمن تقولها؟ ومتى تقولها؟ وكيف تقولها؟ وإن قلت لا بأسلوب مباشر أو بالمواقف فعليك ألا تتراجع وتمسك بهذه الكلمة، فكلمة لا يعني أن لك عقلا ورأيا يمكنك من تقييم الأمور لتقبل منها ما يقبل، وترفض منها ما يرفض. هكذا تكسب احترام الجميع، اهتم بهندامك فلا تبالغ في الخروج عن المألوف، واختر ما يناسب عمرك وشخصيتك وبيئتك ومجتمعك، فالناس يقرؤون شخصيتك من خلال رسائل تفهم من نوعية ملابسك، فملابسك هي عنوان شخصيتك.يا ولدي إن كسب احترام الناس فن يحتاج لحسن التواصل معهم، ورقي في السلوك والتعامل مع الناس وذكاء اجتماعي، وتوازن في التعامل معهم بين الحزم وبين المرونة والرفق، واعلم أنك ستنجح تارة وستفشل تارة أخرى في كسب احترام من حولك فرضى الناس غاية لا تدرك، فلا تجزع إن خسرت رضاهم... ودمت يا ولدي سالما.