إليكم ـ أحبتنا الكرام ـ ثاني محطة في رحلتنا هذه، والتي نضع فيها أيدينا على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس، والخطأ الذي سنناقشه في هذه الحلقة عدم التجاوز والصفح والتسامح والعف بل والمغالاة في عدم التعاون، فلا يتعاملون به مع إخوانهم، بل يأخذون العدائية لهم قناعًا والأخذ بالثأر لهم دفاعًا، ويكيلون من الانتقام لمن أخطأ في حقهم صواعًا، وينصبون للمنازعات في بحر الخصومات لهم شراعا، ويقبلون على المقاطعة والمدافعة وروح الغلبة سراعا، وكأنهم للتضارب والكر والفر في حلبة، ويظنون أن كريم الأخلاق وحسن الظن وطيب المعاملة ضعف وغلبة، وأنساهم الشيطان أن ديننا الحنيف علمنا العفو والتسامح والصفح والتعاون والسماحة في جميع شئوننا، وفي المعاملات على وجه الخصوص، فهلا انعكس هذا على المعاملات بيننا وبين إخواننا، فالأمر في عمومه معناه: أن تسامحوا واعفوا واصفحوا في جميع حالاتكم، وخاصة في معاملاتكم، واصبروا إن وقع عليكم الظلم، فالله لكم مجير، وقد يقول قائل: نعم يمكن لي أن أصفح أو أن أتسامح ولكن فلان ظلمني، ولا أستطيع أن أتجاوز عن ذلك الظلم، وأقول له: أخي الكريم، إن كل حي منذ أن أذن الله تعالى له الحياة، وحملته أمه ، منذ تلك البداية قد بدأ له العد التنازلي وسنجتمع بين يدي علام الغيوب، وهو سبحانه سائل كل مخلوق عما فعل كتابًا يلقاه منشورًا، إذن أي عمل يقوم به مخلوق بينه بين الناس أو أي معاملة أيا كانت فالله تعالى محاسبه عليها، إي نعم والله، فإن الله تعالى لا ينسى مظلوما ولا يترك من ظلمه، فيامن ظلمت إن الله لا ينسى ظلمك فكن على يقين أن الحقوق سترد، ومن أبكاك سيبكي، ومن قهرك سيقهر من الواحد القهار، فاجعل لنفسك مكانا بين المؤمنين الذين يدافع الله عنهم في الدنيا، وينالون نعيم الله في الآخرة، واحرص على أن لا تكون من اللذين يظلمون الناس فيذهب عملهم هباء ويلقى في النار، وعلينا العفو والصفح والله تعالى يفصل بين العباد، وخاصة في المعاملات، فمعظم المشاكل تكون بسببها، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ:(رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) (صحيح البخاري 3/ 57)، ومن أروع الأمثلة التي لو أخذنا به في حياتنا لما كان بين الناس خصومة، فضلًا عن أن من يتجاوز عن الناس يتجاوز الله تعالى عنه ففي (صحيح البخاري 4/ 169) قَالَ حُذَيْفَةُ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:(إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَتَاهُ المَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ لَهُ: انْظُرْ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَأُجَازِيهِمْ، فَأُنْظِرُ المُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ، فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ).
والخلاصة أن تفريج الكروب عن الناس يقرب العبد من ربه، وأخيرا وليس آخرا أرجو من الله لي ولكم حسن الفائدة وتمامها.