سعود بن علي الحارثي:أحمد الله وأشكره على مننه العظيمة، ومن بينها، أنني لست ممَّن لديه روابط وشبكات من المعاملات والطلبات المتضخمة، التي تحتاج إلى إنجاز ومراجعة وتفعيل للعلاقات والمصالح والمحسوبيات لضمان الموافقة عليها وسرعة البتِّ فيها، فأنا لا أمتلك أعمالا تجارية، ولا صفقات بيع وشراء، وتوثيق عقود ونقل ملكيات، ولا عقارات، ولا حتى تجديد لمعاملات خاصة، بخلاف أو ما يزيد عما لدى معظم الناس البسطاء من أمثالي "البطاقة الشخصية، والجواز، وبطاقة قيادة مركبة، وملكية سيارة واحدة فقط، ووثائق عاملة منزل ومراجعات لعيادات في المستشفيات والمراكز الحكومية"، فلا أحتاج للتواصل مع هذا الموظف وذلك المسؤول لكي يُسهِّل عليَّ ما تعقَّد وتشابَك وتعسَّر وأصبح الطريق لإنجازه طويلا وضاغطا، أو نبش وبحث في قائمة أسماء أصدقاء ومعارف يتوسطون وييسرون ويوجدون الطرق والمسالك والمخارج لإمضاء وإنهاء ما استصعب عليَّ. ومرد هذا الشكر ما أسمعه وأراه وأرصده من معاناة الكثيرين الذين يستعرضون المواقف والأمثلة والنماذج والتعامل المُر والمُؤلم والمُحير خلال مراجعاتهم وتقديم طلباتهم لتوصيل خدمة أو صيانتها، وإنجاز وتجديد معاملة، والبتِّ في طلب مشروع، وتجديد وثيقة شخصية، أو حتى الإجابة عن سؤال وفهم ما التبس في فاتورة كهرباء ووثيقة رسمية وتأجيل موعد في مستشفى حكومي... فالتنصل من المسؤولية وتعقيد الإجراءات وفقد الوثائق وتأخير إنجاز المعاملات، والوقوف في طابور طويل، وسلوك فج وفض ومشاكل فنية في النظام وعدم الرد على هواتف الخدمة... كلها معيقات تحدث يوميا، تقف في وجه المراجعين للمؤسسات الحكومية الخدمية بل وحتى الخاصة المعنية بالكثير من المعاملات ذات العلاقة بشؤون ومصالح الناس وأعمالهم. قبل أسابيع من إعداد هذا المقال، طرح عضو في مجموعة واتسابية معاناة سكان منطقة في محافظة السيب من انتشار وتضخم عدد الكلاب الضالة، وأرفق مع مداخلته صورا ومقاطع فيديو وشروحات تؤكد فعلا على حجم المشكلة والمعاناة، وأوضح هذا العضو قائلا "بأنه ومجموعة من قاطني هذا الحي راجعوا وتواصلوا مع عدد من الجهات المختصة كالشرطة والوالي وبلدية مسقط... وكل من تواصلوا معه وعرضوا عليه مشكلتهم من المسؤولين، تنصل وأجابهم بنفس الرد، "لسنا مسؤولين ولا مختصين في التعامل ومعالجة مشكلة "الكلاب الضالة""، وتساءل صاحب الموضوع، "إذن من المسؤول؟ وإلى أين نتجه؟ ولمن نرفع شكوانا وما نكابده من مضار وفوضى هذه الكلاب التي عبثت بمنازلنا وزراعات بيوتنا وسببت الإزعاج للسكان بنباحها الليلي المتواصل وما تشكله من خطر على الأطفال...؟". وهذا النوع من المشكلات أصبحت معروفة وتطرح بقوة في وسائل التواصل. بعد انتهاء تأثيرات إعصار "شاهين"، أجريت اتصالا بـ"الخط الساخن" لبلدية مسقط، لكي أضعهم في صور عدة تتعلق بالحي السكني الذي أقطنه، من بينها أن الإنارة الداخلية في الشوارع ما زالت معطلة منذ الإعصار، والأتربة التي خلَّفتها الشعاب لم تتم إزالتها، والمستنقعات ولدت جيوشا من البعوض والذباب تحتاج إلى مكافحة... اضطررت إلى إجراء مكالمات عديدة، لأن الرد الآلي للخط الساخن ظل يردد على مسامعي ذات العبارة "الموظفون مشغولون في هذه اللحظة" وتستمر لأكثر من نصف ساعة دون انفراج... ومن المؤسف أن خاصية الرسائل ملغاة في حساب البلدية في "تويتر"، ويبقى الاتصال بالخط الساخن هو الخيار الوحيد لتسجيل المكالمة والطلب، وانقضت أيام طويلة أخرى بعد نجاحي من محادثة الموظف ولم تتم ـ للأسف ـ حتى الآن معالجة تلك المشكلات. وفي المستشفى الحكومي اضطررت لزيارتهم لتجديد موعد لوالدي، بعد أيام من الاتصالات التي تنتهي رنتها الأخيرة دون أي مجيب من قبل الموظف المختص، ما يعني أن أرقام الهواتف التي تصلنا في محتوى رسائل التذكير بالمواعيد لا قيمة لها، مع بالغ التقدير والشكر بالطبع لمستشفيات ومراكز أخرى أقرت برنامج "الواتساب" وكانت أكثر فاعلية ونجاحا في التواصل مع المراجعين، وما زلت أتساءل: لماذا لا تكون الآليات والأنظمة موحدة في جميع المؤسسات الصحية الحكومية بشأن المراجعات والزيارات وصرف الأدوية وخلافه؟ وفي مكتب سند، الذي توجهت إليه لتجديد بطاقة "عاملة منزل"، فشل البرنامج الإلكتروني لقسم التأشيرات التابع لشرطة عمان السلطانية، في استقبال المعاملة، وتجديد الفيزا؛ لأن النظام اعتبرني من المخالفين للقانون وأمتلك من العمال ما يزيد عن العدد المحدد لي، وعلي أن أتخلص من بعضهم... فيما الحقيقة التي لا شك يعتريها، أن عاملة المنزل هي الوحيدة المُسجَّلة باسمي، هذه المشكلة التي لم يجد لها موظف مكتب سند علاجا، تطلبت مني مراجعة الأحوال المدنية لإصلاح ما أفسده البرنامج وما تسبب فيه من إهدار لوقتي وجهدي ومالي، عندما أوقفت سيارتي بعد جهد جهيد لامتلاء المواقف العامة عن آخرها، تراءى لي صف طويل من المراجعين، القسم الأكبر منهم خارج قاعة المراجعة في الشمس القائظة وبدايته ـ أي الصف ـ في الداخل، تمنيت ساعتها أن لا يحتاج موضوعي أو مشكلتي البسيطة اضطرار الوقوف في مؤخرة هذا الطابور لساعات، قبل أن أصل إلى الشخص المختص، عندما تعرف الموظف المعني بتنظيم المراجعين، لنوع المشكلة، أبلغني بأنها "تقنية"، وعليَّ أن أقف في الطابور، ولم تكن ظروف صحتي ولا عمري تساعدانني على ذلك، فعدت أدراجي إلى "مكتب سند"، وطلبت منه التكفل بمعالجة الموضوع، مقابل مبلغ من المال، وبعد أيام اتصل بي ليبلغني أن الجواز مفقود في قسم التأشيرات، ويحتاج الأمر توقيع مجموعة من الاستمارات لطلب جواز جديد، وعندما حاورته وأكدت له أن "الشرطة لا تتسبب في فقدان الجوازات، وأنني أتهمه هو بإضاعته"، غضب مني وأكد على صدق قوله، بعد أيام من هذا الموقف كلمني أخرى، ليخبرني بأنه حصل على الجواز عند الشرطة، وبأنهم هم من تسبب في ضياعه والحصول عليه ـ والقول على ذمته وهو مسؤول عنه ـ. إهدار للأوقات وتضييع للمال وضغط نفسي يعيشه المواطن في الدوائر والأقسام والمؤسسات الخاصة. في الفترة ذاتها تلقيت ملاحظة غاضبة من أحد الأصدقاء على ضوء مواقف حدثت له، مستوضحا عن أسباب تقاعس عدد من "الموظفين من ذوي العقليات المتبلدة اللي جالسين في بعض الجهات الخدمية" مطالبا بتحليل "أسباب هذا الغياب الذهني واللا مبالاة وعدم الاحترام.. هل هو سبب مجتمعي أم بيئة عمل أم عدم وجود تحفيز أم غياب محاسبة...؟ وما ذنب من تتعطل أعمالهم وحياتهم وما يكلفهم ذلك من جهد ومال ومراجعات و...و...و.... صراحة حالة كئيبة كسيفة". لا شك لديَّ بأن غياب المحاسبة، والترقيات والتحفيزات ونقص الموظفين في بعض الدوائر ووفرتها في أخرى، وانشغال المسؤولين وانصرافهم لتحقيق مصالح وغايات بعيدة عن صلب أعمالهم وصلاحياتهم... أسباب رئيسة لكل العراقيل والتعقيدات والتأخيرات وعدم المبالاة وسوء التعامل مع المراجع... والتي تتطلب معالجات سريعة فأضرارها كبيرة ليست على المواطن الفرد فقط، ولكن على الاستثمارات والأعمال والاقتصاد في عمومه، وهي شكاوى ومطالبات ليست وليدة اليوم، فقد مضى عليها سنوات وهي تزداد للأسف سوءا.