غالية بنت عامر المقرشية:
يُعد العقل البشري وما ينتج عنه من أفكار وإبداعات وابتكارات أهم ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، وهذا الإنتاج العقلي هو الذي ساعد العالم للوصول إلى التكنولوجيا المعاصرة.
ويطلق على كل ما يبدعه الفكر الإنساني "ملكية فكرية" فهي تشمل جميع الحقوق الناتجة من النشاط الفكري في المجالات الصناعية والعلمية والأدبية والفنية.(1)
وقد اعتبر علماء الشريعة الإسلامية الملكية الفكرية كنازلة حديثة، جاءت في العصور المتأخرة نتيجة للتطور العلمي والتقني والصناعي، واختلفوا في تسميتها، ولكنهم اتفقوا على أنها نتاج فكر وإعمال للعقل؛ فهي تعني في الفقه الإسلامي اختصاص الإنسان المبتكر بنتاج فكره وإبداعه اختصاصًا يخوِّله من الانتفاع به شرعًا والتصرف فيه وحده.(2)
ولو تخيلنا عالمنا بدون اختراعات مثل الكهرباء والاتصالات، وبدون كتب وأفلام؛ أي بدون ملكية فكرية، هذا يعني أننا أصبحنا بدون حضارة إنسانية، ولو تخيلنا أيضا أن هذه الإبداعات غير محمية وحقوقها غير مضمونة، فهذا يعني توقف المبتكرين عن الإبداع لغياب الحافز المادي والمعنوي الذي يدفعهم للابتكار.
ويشمل نظام الملكية الفكرية أنواع متعددة من الابتكارات تتمثل في: حقوق المؤلف والحقوق المجاورة له وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والتصاميم الصناعية والأسرار التجارية، والأصناف النباتية والمعارف التقليدية والمؤشرات الجغرافية، ويعمل النظام على حماية هذه الأنواع على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
وتبذل الدول جهودًا كبيرة لحماية الملكية الفكرية من خلال تخصيص مكاتب وطنية، وسنِّ القوانين والتشريعات العالمية والوطنية، وإنشاء المحاكم المتخصصة، كما اشتركت الدول في تأسيس جهات إقليمية وعالمية لتنمية الملكية الفكرية والمحافظة عليها، ومن أهمها المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية World Intellectual Property Organization وتعرف اختصارا بـ WIPO، والتي تقوم بأدوار كبيرة في وضع المعاهدات الدولية، وتسهيل أنظمة الحماية وإعداد الكفاءات البشرية، وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية، وفض المنازعات، وإيجاد بنية تحتية تقنية لربط أنظمة الملكية الفكرية، وتبادل المعارف وغيرها من الأدوار العالمية.
وتمثل الملكية الفكرية أهمية كبيرة للمبتكر، حيث تعزز لديه الجانب الديني والأخلاقي؛ كونها تردعه عن السرقة والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل، وتحقق له فوائد معنوية ومادية تدفعه لمزيد من الابتكار، كما أنها ذات أهمية للمجتمع؛ كونها توفر له منتجات أصلية وذات جودة عالية، بالإضافة إلى أهميتها في الاقتصاد القومي، فهي تساعد في تقدم الدول التي لا تمتلك ثروات طبيعية، كما أصبحت الممتلكات الفكرية حاليًّا معيار تفاضل بين الدول.(3)
وختامًا... للملكية الفكرية الفضل في جعل الابتكارات تجوب العالم بشكل آمن دون تقليد، الأمر الذي يدفع لمزيد من الإبداع والرفاهية للبشرية ومزيد من التقدم الاقتصادي الناتج من المعرفة.

عضوة الجمعية العمانية للملكية الفكرية
[email protected]

ـــــــــــــــــ
1 ـ www.wipo.int
2 ـ الغامدي، ناصر بن محمد بن مشري.(د.ت). حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي والآثار الاقتصادية المترتبة عليه. المكتبة الشاملة.
3 ـ لبيض، فاطنة، وشارف، جميلة.(2017). مكانة وأهمية الملكية الفكرية في النظام التجاري متعدد الأطراف. جامعة زيان عاشور الجزائر.