حامد مرسي*
عزيزي الصائم .. مازال الحديث عن إمام الصابرين أيوب (عليه السلام)، فلما رأى زوجته رحمة محلوق شعرها فقال:(ربي إنّي مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)، فلم يقل له: طال بي الزمان وضاق الصدر بكل أدب وبكل خلق رفيع، فلم يقل:(مسني الضر فاشفني)، استحى أن يسأل الله شيئًا، وقال الله:(يا أيوب أين كنت تشكو وأنت مريض)، فيقول أيوب (عليه السلام): كنت أشكو شيئًا واحدًا وهو شماتة الأعداء فصبر على المرض، فقال الله عز وجل:(وعزتي وجلالي لا أخرج عبدًا من الدنيا وأحب أن أرحمه حتى أوفيه بكل سيئة كان عملها سقمًا في جسده أو إقتارًا في رزقه أو مصيبة في ماله أو ولده فإذا بقيت له سيئة بعد ذلك شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه).

استجاب الله دعاء نبيه أيوب فكشف ما به من مرض، والفاء هنا للترتيب والتعقيب، فلم يقل ثم استجبنا له، ولم يقل واستجبنا له إنما قال:(فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر) .. هذا يفيد الشمول المال والولد والصحة فكشف ما به من مرض وفقد أولاده فشفاه من مرضه ولا يكن شفاء عن طريق طبيب من الأطباء، ولكن الدواء كان تحت رجلك لا يكلف نفسه (أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) يعني: اضرب برجلك الأرض فتخرج عين ماء تحت رجلك، فأوحى الله إليه أن يغتسل بهذا الماء ليزول الألم عن ظاهر جسده ويشرب من الماء حتى يزول الألم من داخل جوفه، و(أتاه أهله) أي: وهب له أهله ومثلهم معهم فلم يعد وحيدًا، قيل له: يا أيوب إن أهلك في الجنة فإن شئت أتياك بهم وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم في الدنيا، شفاه الله رب العالمين حتى أن زوجته مرًّت به بعد لحظة فوجدت شابًّا يجلس في رعانيه فلم تعرفه فقالت له: يا هذا أما رأيت رجلًا مريضًا كان يجلس في هذا المكان؟ ألا تدري أين هو الآن؟ فقال لها: إنني أنا أيوب، وكان قد أقسم إن شفي من مرضه ليضرب زوجته مائة جلدة، فما هو الذنب الذي ارتكبته رحمة وقد صبرت معه صبرًا يعجز عن تحمله صناديد الرجال؟!، لقد قال المفسرون آراء عديدة منها وأقربها إلى العقل رأيان، أن الشيطان أوهمها أن أيوب إذا شرب الخمر شفي من مرضه فعرضت له بذلك فنذر أن يضربها، والرأي الثاني وهو يميل إليه، وذكره ابن عباس: إن إبليس لقى رحمة في صورة طبيب فدعته لعلاج أيوب فقال لها: أداويه على شرط أنه إذا برأ يقول: أنا الذي شفيته لا أريد جزاء سواه، قالت: نعم، فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربها، وقال: ويحك ذلك الشيطان فحلله الله من يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه وصبرها معه ورضاه عنها، فقال له: أحضر حزمة من النبات بها مائة عود خفاف من عيدان السنابل واضربها بتلك الحزمة ضربة واحدة تنفيذاً ليمينك الذي حلفته وجزى الله أيوب على صبره أن مدحه في القرآن الكريم فقال:(إنا وجدناه صابراً نِعمَ العبدُ إنّه أواب)، قال تعالى:(رحمةً من عندنا وذكرى للصابرين)، فعلنا ذلك رحمة من الله به وذكرى للصابرين جعلنا في ذلك قدوة لئلا يظن أهل البلاء إثمًا فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا وليتأسوا به في الصبر، فلله الحكمة البالغة في ذلك، فهذا البلاء الذي أصاب سيدنا أيوب (عليه السلام) كان دليلاً على كمال الإيمان، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما سأله سائل وقال له: من أشد الناس بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الناس على قدر دينهم، فمن قوي دينه اشتد بلاؤه ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه وأن الرجل ليصيبه من البلاء حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئة، قال داود (عليه السلام): يارب ما جزاء الحزين الذي يصبر على البلاء والمصائب ابتغاء مرضاتك، قال ربه: جزاؤه أن ألبسه لباس الإيمان فلا أنزعه عنه أبدًا، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن الله يجمع أهل البلاء يوم القيامة تحت شجرة تسمى شجرة البلوى ثم ينادي عليهم فيقول: يا أهل البلاء أنا ما ابتلتكم لهوانكم عليّ وإنما ابتلاؤكم لأن الدنيا لا تساوي عندي جناح بعوضة).

فيا أخ الإسلام .. إذا أصابك البلاء فلابد أن تصبر على هذا البلاء .. ولا تشكو الله إلى خلق الله بل تقرب إلى الله بالدعاء واشتكي إلى الله سبحانه وتعالى فهو وحده الذي يصرف عنك البلاء .. هذا والله أعلم.

* إمام مسجد بني تميم بعبري