[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضانصحفي مصري[/author]كي تحرسك العناية الإلهية؛ فلا بد أن تحمل حقائبك بعضا من اللبان، أن تمخر السفن عباب البحار في أمان وأن تصل بسلام ولن تغرق، لا بد أن تكون من حمولتها ولو كمية قليلة من حبيبات اللبان العُماني المقدس. كذلك اعتقد الفراعنة في قداسة شجرة اللبان المباركة، لذا كانت حقائبي عند السفر من سلطنة عُمان إلى مصر أن أدس في طياتها كمية من اللبان الحوجري العُماني النادر الوجود.أجدادي الفراعنة سبقوني إلى هذه الأرض قبل أكثر من 3500 عام قبل الميلاد، شقوا الطرق البرية عبر الأودية الشرقية للنيل، لتصل إلى سواحل البحر الأحمر، ومنها جاءوا بسفنهم عابرين آلاف الأميال إلى ظفار، لتعود محملة بالبضائع من البخور واللبان والزيوت العطرية، تماما كما تحمل حقائبي، إضافة إلى الحلوى العمانية الشهيرة.عند زيارة متحف الدير البحري لملكة مصر الجميلة حتشبسوت في مدينة الأقصر، تلاحظ نقوشا على جدران المعبد، تظهر الرحلة التاريخية التي أمرت بها الملكة حتشبسوت إلى مملكة بونت ـ ظفار حاليا ـ لشراء البخور واللبان والمر إلى المعابد الفرعونية، وتظهر لوحات مرسومة بسفن هائلة وأفراد يقدمون قرابين البخور، إلى مختلف الآلهة بهدف إحراز الرضا. أيضا سجلت النصوص الفرعونية 11 رحلة بين مصر وظفار، منذ زمن الملك خوفو الأكبر حتى رمسيس الثالث، وسجل الحجر الأثري الشهير، المعروف بحجر بالريمو، رحلة في عصر الأسرة الخامسة وبالتحديد في زمن الملك ساحورع، إلى ميناء سمهرم التاريخي في ظفار لشراء الطيب والبخور.لكن لماذا اختار فراعنة مصر القديمة سلطنة عُمان على الأخص؟.. كانت عادة الفراعنة القدماء استخدام أدخنة حرق اللبان مع البخور في إقامة الشعائر الجنائزية في المعابد القديمة والأديرة، واعتادوا الفراعنة أداء طقوس الولاء عقب توليهم مقاليد الحكم، والمناسبات الروحية والسياسية، على أضواء نيران اللبان وهي تشتعل ورائحة البخور وهو يحترق. إذن لا مقصد هنا سوى عُمان، حيث اشتهرت بأجود وأفخر أنواع اللبان في العالم قديما وحديثا، والذي يُعد في ذلك الوقت أغلى وأندر سلعة عرفها البشر، ونتابع معا كيف أن البخور وحده لم يكن فقط هو كل سلة الاستيراد من عُمان.لكون الحضارة المصرية القديمة رائدة في تسجيل كامل تاريخها في نقوش على جدران المعابد، كانت أيضا تنحت الكؤوس والأواني، كذلك التماثيل المذهلة من أحجار الديوريت، التي تحتل المرتبة الثانية في جدول ترتيب الأحجار الأصلب في الكون بعد الألماس، وتتميز بلونها الذي يحتوي على نقاط غامقة وأخرى فاتحة، تهب الفخامة والرونق على منحوت التمثال، ويظهر ذلك جليا على تمثال الملك خفرع في المتحف المصري، والذي سينقل قريبا إلى المتحف الجديد في منطقة الأهرامات، المرشح لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ باعتباره أكبر المتاحف على وجه الأرض. هذا التمثال منحوت من نوع فريد من حجر الديوريت الذي اشتهرت به عُمان، والذي أرغم فراعنة مصر القدماء على قطع المسافات إلى عُمان للحصول عليه.ما زلنا نتساءل مرة أخرى: لماذا عُمان بالتحديد؟ لقد اشتهر الفراعنة بتحنيط جثث ملوكهم بطرق وأسرار لم يفك شفرتها حتى الآن، لكن من خلال محاولة علمية ناجحة، قام العلماء بتحليل إحدى المومياوات، باستخدام الفحص النووي والكربون المشع، والتحليل المجهري للفائف مصنوعة من الكتان، أكد بعد ذلك أن عملية التحنيط تمت في طقوس احتوت المواد المستخدمة فيها، على زيت نباتي ومواد صمغية مسخنة، مع مستخلص من نبات عطري وحبيبات من اللبان مع سكر، تم خلطها جميعا لتصنع مادة التحنيط المذهلة ذات الخلطة السرية، التي منها اللبان العماني.كانوا هنا الفراعنة منذ آلاف السنين... واكتشف ذلك عن طريق أعمال التنقيب التي قامت بها وزارة التراث والثقافة العمانية (آنذاك)، في الموقع الأثري الذي اكتشف عام 2012، حيت تم العثور لأول مرة في السلطنة على تميمة تعرف بعين حورس، وترمز في الحضارة المصرية القديمة إلى الحماية والقوة الفكرية والصحة الجيدة، وكانت التمائم الجنائزية تصنع على شكل عين حورس، وشكلت العنصر الرئيسي في أسوار عدد من المومياوات، لحماية الفرعون لما بعد الحياة ودرء الشر عنه.كانوا الفراعنة هنا على أرض عُمان؛ ليستقطبوا كنوزها الطبيعية، كي يصنعوا حضارتهم المذهلة، وليختلط عبير أرض عُمان بتراث أرض مصر، ويمزج التاريخ ويشهد أن مصر وعُمان حضارة في أمتين وأصالة في شعبين.