[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]ضاقت عليه الدنيا بعد أن انغلقت أمامه مفاتيح الفرج، أغرقه التفكير السلبي في مياهه الآسنة، رؤى مستهلكة ومحاولات مستنسخة وأفكار مكررة ومعالجات تقليدية، دوران في حلقة مفرغة لا تسفر عن شيء ذي قيمة، ولا تقود إلى ضوء يلوح في منتهى نفق مظلم. حاول كثيرا أن يحرك تلك المياه الراكدة كنوع من التصفية التقليدية علَّه يحدث فرقا أو فصلا ولو طفيفا بين الفاسد منها فسادا كاملا، وبين تلك التي ما زالت تحتفظ ببعض العناصر الحافظة على قيمتها عسى أن يكون فيها بعض الخير كمصدر إلهام لفكرة صالحة تسعفه أو تلهمه بحل ولو مؤقتا لبعض مشاكله تفرج كربه وتخرجه من حالة الحزن والضيق، تفتح له ثلمة ينبعث منها نور فرج وبصيص أمل، فالأفكار والرؤى النافعة لا تظهر ولا تنمو إلا في بيئة صحية، وبعد أن تتوافر الأساسات والأسباب المناسبة.. تتراكم عليه المشاكل وترتفع بنود مصروفاته فتتصاعد ديونه ونسب فوائدها في مقابل دخل يأبى أن ينمو ولو قليلا، محتفظا بذات الرقم الثقيل على نفسه والذي يبدو أنه قد ألفه فحافظ عليه. اجتهد وحاول مرارا أن يحسن دخله فلم تجلب له تلك المحاولات إلا المزيد من المشاكل والديون والتراجع، ولم تضف على حاله إلا المزيد من الأحزان والهموم وانغلاق طرق الحل والتأزم، طيبته، صدق سريرته، أمانته، ثقته غير المتناهية في الناس، وقد تكون سذاجته أوقعته في أساليب احتيال وتضليل واستغلال وخداع كانت السبب الرئيسي في وأد محاولته الأولى لتحسين دخله وتنميته. خسارة فادحة أتت على مشروعه الوليد، والسبب الرئيسي لتلك الفاجعة مرتبط بأزمة عالمية، كما رددها على مسامعه كل من استوضح منهم عن أسباب وتفسير ما يحدث في سوق العقار، أسباب لا يد له فيها يصنعها الكبار ويسقط هو ومن أمثاله من البسطاء في شراكها، ويكتوون بنار آثارها. صدق أن الشاحنات تجلب الثروة فقاده ذلك التصديق إلى كارثة أخرى، خسارة متراكمة لم تقتصر على المردود والربح، بل تعدته إلى الشاحنات نفسها التي كانت ضحية سياسات التقشف ووقف عقود المشاريع الحكومية. دخل إلى سوق المال وقبله سوق التجارة والتصنيع، وجرب قطاع المقاولات وباع مواد البناء، ولكل تجربة قصة مريرة وآثار أليمة وديون تغرقه في أوحالها شيئا فشيئا إلى أن وصل إلى هذا الموقف من الضعف والتأزم والانغلاق.. هل هو الحظ العاثر يلازمه ويأبى أن يفارقه؟ ولكن لماذا اختاره الحظ السيء دونا عن بقية الناس الذين يحققون النجاح تلو النجاح وتتصاعد موارد دخولهم؟ وإلى متى سيلازمه حظه العاثر؟ ولكن هل للحظ دخل فيما يجري له؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه خللا في السلوك وطبيعة شخصيته، وفي التفكير وفي الكفاءة والثقافة وسوء فهم ولبس للمجالات والمداخل والقطاعات التي يدخل فيها مستثمرا وفي دراسات الجدوى؟ أم أن أنماط العصر وظروفه ومتطلباته وطبيعة ناسه ونوعية مشاريعه التي تعتمد على الابتكار لا التقليد تتناقض مع ما يؤمن به من أفكار ومعتقدات وموروثات؟ أهو سوء تخطيط وفشل في التعامل مع مفردات الحياة ومشاريعها؟ أم أن وراء ما يحدث له أسباب مبهمة لم يتمكن من اكتشافها؟.. يدخل الكثير من الناس أنفسهم في مداخل وطرق شائكة وعويصة تفوق قدراتهم وإمكاناتهم، ولا يحسبون حسابا لكيفية الخروج منها وتجاوزها والتغلب عليها، ويضعونها ـ أي أنفسهم ـ في مواقف شتى ملغمة بالشراك والفخاخ، وذلك بغرض تحسين مواردهم المالية وشغفا بالثراء، أو تحقيق نجاحات باهرة ومرموقة يتحدث عنها الآخرون بفخر وغيرة، أو بهدف الوجاهة ومباهاة القرناء والشركاء في المحيط المعاش، خصوصا ممن حققوا نجاحا في قطاع أو تخصص أو مجال من المجالات أو بغرض خوض المغامرة والتجربة.. يصنعون ذلك ويتخذون قرارات مصيرية تنعكس تبعاتها عليهم وعلى أسرهم اعتمادا على المشاهدة أو السماع أو التشجيع أو التقليد أو الثقة غير المسنودة بدعامات وأساسات أو يسبقها ويرافقها تخطيطا معمقا وشاملا، وتقييما مدروسا بعناية، وجدوى أعدت من قبل متخصصين، تقوم على الواقعية والفهم السليم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الشخص وسلوكه وتخصصه وهواياته ومستوى تعليمه ودرجة وعيه وجديته وصلابته وإرادته وخلفيات الموضوع المراد الولوج إليه وأسباب نجاح الناجحين وعوامل فشل الفاشلين، ولا يكلفون أنفسهم عناء طرح أسئلة قد تقربهم إجاباتها إلى الفهم وكشف ما التبس وانغلق عليهم، بل حتى دراسة الجدوى التي لا غنى عنها لإنشاء مشروع أو عمل خاص لا يعبأون بها، وهو ما يدخل في إطار استسهال وتبسيط الأمور والاستهتار وعدم المبالاة واستبعاد أسباب ومقومات الصمود والنجاح... إن إغفال تلك الأسباب والأساسات أدت إلى العديد من المشاكل والنكبات وحالة الضياع التي وصل إليها البعض في تقليدهم الأعمى لما يقوم به الآخرون، فقد بددوا دخولهم وما يملكون من أجل ما لا يملكون، فلم يخرجوا إلا بخسائر وديون متراكمة، وفضائح مدوية وأمراض نفسية ومشاعر مريرة. إن القدرات الموهوبة والخطط المدروسة والملكات الشخصية المتفردة، والأسئلة الدقيقة والوعي العميق، والخبرة والاستشارة والرؤية المبنية على الواقعية والموضوعية، خطوات أساسية لتأسيس أو بناء مشروع أو عمل أيا كان نوعه وهدفه أو الدخول في شراكة ما، وإلا كان مصير ذلك الجهد الفشل وضياع الأموال وانعكاسات خطيرة سوف تصيب الشخص وأسرته.