[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
إنه نهر ثالث بين نهري دجلة والفرات، هكذا أطلق على شاعر العراق الراحل عبد الرزاق عبد الواحد من فرط الاعتزاز بهذا الشاعر الذي ارتقى إلى مستوى النهرين لغزارة شعره الذي ينساب مثل عذوبة مياه النهرين الخالدين (دجلة والفرات).
نعم إنه النهر الثالث كما يصفه الشاعر العراقي غدير الشمري الذي وثَّق علاقته ورحلته ومحطاته مع الشاعر عبد الرزاق عبد والواحد في كتاب صدر في العاصمة الأردنية (عمَّان) الموسوم "رحلتي مع النهر الثالث" يروي فيها أبرز المحطات والذكريات في حياته حتى وفاته في أحد مستشفيات باريس.
ويشير الشاعر غدير الشمري في مطلع كتابه "لقد كتبته بشكل عفوي وبكل صدق وأمانة ومجمل ما فيه موثق بالصورة ومقاطع من شعره بخط يد الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد لرصد مسيرة شاعر بحجم نهر ثالث وما قدمه للشعر العربي من قيمة وإضافة إبداعية لمن سبقوه من شعراء العراق والعرب". والمحطات التي توقف عندها مؤلف الكتاب جديرة بالفخر والاعتزاز لشاعر ملأ الدنيا وشغل شعراء جيله وجمهوره.
ورحلة الشاعر غدير الشمري مع الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد كرسها لكشف عطائه وثرائه ولتلك الروح وجمالها والعفوية في إبراز لحظاتها بعفوية لافتة للنظر.
لقد نجح الشمري في ترجمة هذه الروح بكل براعة الشاعر والإنسان المحب؛ لأنه نهل منها هو الآخر، وينتمي هو الآخر إلى روح العراق العظيم ونهريهما الخالدين (دجلة والفرات). وأبو خالد الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد واحد من جيل استثنائي اجتمع في مكان واحد وزمان واحد، فخطا بالشعر خطوة نقلته إلى أفق جديد استحضر فيه بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وحميد سعيد وسعدي يوسف، فكان شمسا بين شموس، وعبقريا بين عباقرة، كما وصفه سامر حيد المجالي في معرض تقديمه لكتاب الشمري.
ويحتوي كتاب رحلتي مع النهر الثالث على ستة فصول عرض فيها الشمري شهادات وذكريات ومحطات مضيئة في رحلة أبي خالد، وهي محاولة تتسم بالوفاء من شاعر يرى في مسار الشاعر عبد الواحد نافذة للعراقيين والعرب على حياة إنسان وشاعر استوجب التوقف عندها كظاهرة إبداعية وشعرية، كرَّسها أبو خالد بحب العراق.
وبرع مؤلف الكتاب الذي رافق الشاعر أبا خالد من بغداد، وبعدها دمشق، وأخيرا في عمَّان ليسرد في كتابه ذكريات مفعمة بالمحبة وفي رعايته، وما قصائد الشاعر عبد الرزاق التي احتواها الكتاب بخط يده وشهادة أقرانه من العراقيين والعرب إلا التعبير الحقيقي للعلاقة الحميمية بين الشاعرين والثقة في حفظ تراث وقيمة شاعر بحجم أبي خالد.
ويتوقف الشمري عند الاحتفالية التكريمية التي نظمها البيت الثقافي العراقي في عمَّان لشاعر العراق وبحضور محبي شعره من العراقيين والعرب بعد أن راجت أخبار عن وفاته، فكانت بحق ملحمة وفاء بين شاعر وجمهوره المحب لشعره.
ويروي الشمري عن أبي خالد أنه كان في أحد مستشفيات باريس وسمع بوفاة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين، ومن فرط حبه للضاري، كتب قصيدة رثاء بحقه وهو على فراش المرض مطلعها:
عزيز أن تروح أبا مثنى
وتصبح كالغريب اليوم عنا
لأنا نحن منك وأنت منا
أعز سلامنا يأتيك منا
أما للموت غيرك من عزيز
إلى أرواحنا وجها وسنا
فيأخذه وتبقى فجر ضوء
تشع بنا الحياة أبا المثنى
وما يعزز شهادة الشاعر غدير الشمري عن رحلته مع النهر الثالث محاولته في تجميع تراث شعره ودواوينه ومقتنياته الشخصية، وآخر رسائله وأسماء رواد ديوانه العامر في عمَّان، وينتظر الشمري الفرصة للبدء بتنفيذ هذه الفكرة حفاظا على مسيرة رجل وشاعر وهب حياته للعراق ووحدته وسيادته.