علي بن سالم الرواحي :
إنّ من أهم دراسة الحديث هو معرفته من جهة التفرد به أو لا، ثم من جهة هل هو معروف أم لا، وهذا الفصل يوصلنا إلى معرفتهما، وبالتالي يوصلنا إلى معرفة الحديث (الشاذ والمنكر والفرد والغريب).
معنى الاعتبار للحديث وبيانه:
معنى الاعتبار لغة هو: الاتعاظ والتدبر، قالَ اللَّهُ تَعَالَى:(فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر ـ 2)، وقد يأتي بمعنى التقدير، فيقال اعتبرتُه أي قدرته لنفاسته, ولخلوه من الخصال الرذيلة.
والاعتبار في الاصطلاح هو: أَن يروي آخرٌ الحَدِيثَ عَن شيخ رَّاوِيه أَو عن شيخ شَيْخه وَهَكَذَا إِلَى الصَّحَابِيّ أَو غَيره من الصَّحَابَة.
ويلاحظ حصول الاعتبار في الحديث إذا شاركته روايات أخرى في نفس الموضوع فاعتبر منها، وإن انفرد في بعض رواتها عن رواته، ومعنى الاعتبار صالحيته للاحتجاج به والاستشهاد به، قال ابن حجر:(بل الاعتبار هو الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد)، بحيث أن تفتيش وحصول الاعتبار في الحديث يعرف منه أن له تابعًا أو شاهدًا، لذلك قيل أن الأصح أن يقال: معرفة الاعتبار لأجل معرفة لمتابعة والشاهد، وليس الاعتبار قسيماً للمتابع والشاهد.
والمتابعة أن يوافق الراوي راوٍ آخر في روايته عن شيخه أو عن شيخ شيخه فما علا حتى يصل إلى الصحابي، وَالشَّاهِدُ أَنْ يُرْوَى حَدِيثٌ آخَرُ بِمَعْنَاهُ.
ويلاحظ الاعتبار في الراوي يكون بعدم نسبة الكذب وضعف الضبط إليه وذلك لأنه كبير القدر، فوق الرذائل، وله روايات أخرى معتبرة تؤيد حديثه.
مثال على الاعتبار للحديث:
والمثال على الاعتبار ما روى سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال:(أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا)، ورفعه وهم، لأنه جاء موقوفًا على الإمام علي ـ كرّم الله وجهه.
واعتبر ابن الصلاح هذا الحديث الذي يرويه حماد بن سلمة عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وجاء في اعتباره ثلاث مراحل:(1) يُنظَر هل رواه ثقة آخر عن ابن سيرين, فإن وجد عُلِم للحديث أصل يرجع إليه، (2) فإن لم يوجد له أصل، يُنظَر هل رواه ثقة آخر غير ابن سيرين عن أبي هريرة؟، فإن وُجِد عُلِم للحديث أصل يرجع إليه، (3) وإن لم يوجد له أصل، ينظَر هل راوه صحابي غير أبي هريرة، فإن وُجِد عُلِم للحديث أصل يرجع إليه، وإلا لم يكن له أصل ويرجع إليه.