د/ محمد بن عبدالله الهاشمي:
ذكرنا في الحلقة السابقة ـ ونحن نتكلم عن العوارض السماوية ـ ذكرنا الصغر والجنون، وسنتناول في هذه الحلقة ـ بمشيئة الله وتوفيقه ـ العته.
والعته شرعًا: اخلال في العقل، يجعل صاحبه قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير، يشبه بعض كلامه بكلام العقلاء، وبعضه بكلام المجانين، وكذا سائر أموره.
وعرف القانون المعتوه ــ وفق الفقرة (ب) من المادة (155) من قانون الأحوال الشخصيّة ــ بأنّه:(قليل الفهم، مختلط الكلام ، فاسد التدبير).
ونستخلص من التعريفات السابقة: أنّ المعتوه ناقص العقل وليس منعدم العقل، إذ لو كان منعدم العقل لألحق بالمجنون، وكان حكمه كحكم المجنون، ولكن أصابه خلل في عقله أضعف قدرته في الفهم والاستيعاب.
* حكـم المعتوه:
حكم المعتوه كحكم الصبي المميّز في جميع أحكامه، وذلك لأنّ الصبي في أوّل حالة عديم العقل، فألحق به المجنون، وفي الأخرى ناقص العقل فألحق به المعتوه، فتثبت له أهلية أداء ناقصة، أمّا أهلية الوجوب فتبقي له كاملة ، وبناء على هذا لا تجب عليه العبادات ولكن يصح منه أداؤها، ولا تثبت في حقه العقوبات وتجب عليه حقوق العباد ويصح أداؤها من قبل الولي كضمان ما يتلفه، ولا يقع طلاقه لما يروى عن النّبي (صلى الله عليه وسلم) أنّه قال:(كلّ طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله).
أمّا تصرفاته المالية فتكون على ثلاثة أنواع:
1ـ صحيحة نافذة إذا كانت نافعة له نفعًا محضًا، فله أن يقبل الهبة غير المشروطة، وله أن يقبل الوصية، ولا يشترط في ذلك موافقة الوصي وإجازته، لأنه يحقق مصلحة للمعتوه ولا يلحقه ضرر.
2 ـ باطله إذا كانت مضرّة له ضررًا محضًا فليس للمعتوه أن يتبرع عن ماله لغيره، وليس له أن يتنازل عن ميراثه، وليس للوصي أن يجيز منه مثل هذا التصرف، فإن تصرف في ذلك يكون تصرفه باطلًا.
3 ـ موقوفة على إجازة الوصي، إذا كانت مترددة بين النفع والضرر، فإن أجازها الوصي أصبحت نافذة وإن لم يجزها أصبحت باطلة.
وقد جعل القانون تصرفاته المعتوه مثل تصرفات الصغير المميّز، إذ نصّت الفقرة (ب) من المادة (156) من قانون الأحوال الشخصيّة على أنه (تطبق على تصرفات المعتوه والسفيه وذي الغفلة ، الصادرة بعد الحجر عليهم، الأحكام المتعلقة بتصرفات الصغير المميّز).
فقد أفاد هذا النّص، أنّ تصرفات المعتوه مثل تصرفات الصغير المميّز، فلا يصح منه طلاق زوجته مثلًا، ولا يلي المعتوه على غيره، لأنه عاجز عن القيام بشؤون نفسه، فلا تثبت له قدرة التصرف على غيره.
وعلى هذا تعتبر تصرفات المعتوه المالية صحيحة إذا كانت نافعة له نفعا محضا ، وباطله إذا كانت ضارة له ضرر محضا وموقوفة على إجازة الوصي أو الولي إذا كانت محتملة بين النفع والضرر، وهذه التصرفات المشروطة علي المعتوه بعد الحجر عليه ، أمّا تصرفاته قبل الحجر عليه فتُعتبر صحيحة ، فقد نصّت الفقرة (ج) من المادة (156) من قانون الأحوال الشخصيّة على أنه:(تصرفات المعتوه قبل الحجر عليه صحيحة ، إذا لم تكن حالة العته شائعة وقت التعاقد، ولم يكن الطرف الآخر على علم بها).
فقد أفاد هذا النّص، أنّ تصرفات المعتوه المالية التي تصدر منه صحيحة إذا كانت قبل أن يحجر عليه وذلك بشرطين، الأوّل: أن تكون حالة العته عنده غير شائعة في حال التعاقد ، فإن كانت حالته شائعة وكثيرة فإنّ التصرفات التي تصدر منه غير صحيحة لعدم قدرته على التصرف وبالتالي تكون ضارّة له.
والثاني: عدم علم الطرف الآخر بحالة المعتوه، فإن كان مطلعًا على حالة المعتوه، ويعلم بعتهه، فإنّ تصرفات المعتوه تُعتبر باطلة، وأيّ تعاقد يصدر منه باطلاً لا أثر له.
.. وللحديث بقية.

* قاضي المحكمة العليا [email protected]