علي بن سالم الرواحي:
تحدثنا فيما سبق عن تعريف الحديث الشاذ وأنواعه, ونتابع حديثنا عن حجيته وقبوله لدى العلماء والأمة المسلمة.

* حجية الحديث الشاذ:

وله حكمان لتفاوت تعريفه بين المحدثين: أولاً ـ ضعيف غير مقبول، ولا يصح الاحتجاج به, بل هو مردود ويكون ذلك في حالتين: إذا كان مخالفاً للأحاديث المحفوظة التي هي أضبط وأوثق منه, وهذا هو تعريف الشافعي للحديث الشاذ, فأصل الرواية موجود عند غير راويه الشاذ، وإذا انفرد به غير الثقة ولم يروه غيره، ويلاحظ ان مقام العدالة والضبط في راويه يجبر مقام التفرد به، وهو ما لم يتحقق ها هنا, وبتعبير أوضح أن الشاذ هو ما لا يحتمل حاله قبول تفرده، وثانيًا: مقبول، وذلك إذا انفرد به الثقة بحيث لم يروه غيره.

* ملاحظة:

ـ وإذا تجاوزنا الحكم الثاني, وأخرجناه عن وقوعه في حيز الحديث الشاذ، نتج لدينا أن الحديث الشاذ هو من باب الحديث الضعيف بالكلية، لأنه يشترط عدم الشذوذ في الحديث الصحيح والحسن.

ـ وإذا اعتبرنا لزوم ثقة رواة الحديث الشاذ, خرج منه الحديث الغير مقبول الذي رواته غير ثقات, وبالتالي خلص لدينا أن الشاذ هو حديث الثقة المخالف لما أوثق منه.

* مثال على الحديث الشاذ المقبول:

حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ:(إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)، فعمر تفرد بهذا الحديث, ثم تفرد علقمة به عن عمر, ثم تفرد محمد التيمي به عن علقمة، ثم تفرد يحيى به عن محمد التيمي، هذا ما عند القوم, أما ما عندنا فأن أصل الحديث ورد في مسند الربيع من طريق ابن عباس, وبهذا لا يكون عندنا رواية عمر ابن الخطاب رضي الله عنه متفردة، وعلى أية فإن هذا الحديث مقبولاً لا مروداً , وعليه تدور كل الأعمال الآدمية من الناحية الشرعية.

* مثال على الحديث الشاذ الأقل ثقة عن المحفوظ:

ـ الحديث الشاذ ـ من سنن أبي داود: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَدِمَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْمَدِينَةَ، فَمَالَ إِلَى مَجْلِسِ الْعَلَاءِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَأَقَامَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا).

ـ الحديث المحفوظ ـ من صحيح البخاري: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ:(لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ)ـ ومعلوم أن حديث البخاري أوثق مما جاء في سنن الحديث.