ذكرنا في الحلقة الماضية أهلية الوجوب بشقيها الكاملة والناقصة، وسنتناول في هذه الحلقة ـ بمشيئة الله وتوفيقه ـ أهلية الأداء.أهلية الأداء هي: صلاحية الإنسان لتصدر منه أفعال يُعتدّ بها في الشرع، أي: أن تكون للإنسان صلاحية لتصرفات تصدر منه وتكون مقبولة وتترتب عليها آثارها الشرعية، فإذا أدَّى الإنسان عبادة من العبادات مثلًا سقط الواجب عليه، وإذا جنى على غيره أُخذ بجنايته وعوقب عليه، ولذا فإن هذه الأهلية مبناها التميز بالعقل، فلا وجود لها بالنسبة للجنين إذ لا يتصوَّر صدور أي فعل منه لعجزه الكامل. وتنقسم أهلية الأداء إلى قسمين:أولًا: أهلية أداء كاملة، وهي صلاحية الإنسان المكلَّف لصدور التصرفات القولية والفعلية على وجه يُعتد بها شرعًا وتثبت بالقدرة الكاملة (البلوغ والعقل)، والمتمتع بهذه الأهلية يكون صالحًا لإنشاء جميع العقود من غير توقف على إجازة أحد، كما يكون مسؤولًًا وحده عن تصرفاته، ويكون أهلًا لتكليفه لجميع التكاليف الشرعية.وقد نصَّت المادة (138) من قانون الأحوال الشخصية على أنه:(يكون الشخص كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية، ما لم يقرر القانون خلاف ذلك). فقد أفاد هذا النص: أن الإنسان ببلوغه سن الرشد وهو ثماني عشرة سنة يكون كامل الأهلية وبالتالي تتوجب عليه جميع التكاليف الشرعية والقانونية ويجوز له مباشرة جميع حقوقه المدنية. ثانيًا: أهلية أداء ناقصة، وهي صلاحية الإنسان لصدور بعض التصرفات دون بعض، أو بصدور تصرفات وأفعال يتوقف نفاذها على موافقة غيره، وتثبت أهلية الأداء الناقصة للصبي المميز وهو الذي بلغ سن السابعة من عمره على ما قرَّره الفقهاء ونصَّ عليه القانون، فقد نصَّت المادة (143/ب) من قانون الأحوال الشخصية على أنه:(الصغير المميز هو من أتم السابعة من عمره)، فقد حدَّد هذا النص سن الصبي المميز اتمامه السابعة من عمره، وهو ما قرَّره الفقهاء؛ إذ نصّ الفقهاء على أن سن التمييز بلوغ الصغير السابعة من عمره وتستمر مرحلة التمييز عند الصغير حتى بلوغه، وحدد الفقهاء بلوغ الصغير بظهور علامات البلوغ الطبيعية، منها ما يشترك فيها الرجال والنساء وهي نبات الشعر في الموضع المعتاد أو الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة، أو ما تختص به النساء وهي: الحيض أو الحمل أو تكعُّب الثديين. وقد حدد القانون سن البلوغ بثماني عشرة سنة، إذ نصَّت المادة (139) من قانون الأحوال الشخصية على أنه:(سن الرشد إتمام الثامنة عشرة من العمر). فقد أفاد هذا النَّص: على أن سن البلوغ هو إتمام الثامنة عشرة سواء كان رجلاً أو امرأة، وإذا لم يتم الثامنة عشرة من العمر فيكون في حكم الصبي غير المميز.أحكام الأهلية الناقصةذكرنا سابقًا أن الأهلية الناقصة تبدأ بوصول الصغير سن السابعة وتستمر حتى بلوغه، وتثبت له اهلية ناقصة لنقصان عقله، ولذا لا تجب عليه العبادات لأنه غير مكلَّف، وإنما يُقبل منه ما يؤديه من صلاة وصيام وغيره من العبادات على سبيل التربية والتهذيب، أمَّا ما يتعلَّق بتصرفاته المالية فنبينها وفقًا للتفصيل الآتي:ـ تصرفات نافعة له نفعًا محضًا، إذا كان تصرفات الصغير نافعة له نفعًا محضًا تصح منه دون موافقة الولي، وذلك مثل قبول الهبة والصدقة والوصية، لأن في قبول مثل هذه التصرفات مصلحة ظاهرة له، والإسلام يأمر برعاية الصغير. ـ تصرفات ضارة بالصغير ضررًا محضًا، إذا كانت التصرفات ضارة بالصغير ضررًا محضًا فلا تصح منه وتعتبر باطلة، ولا يملك الولي أو الوصي إجازتها، لأنهما لا يملكان مباشرتها في حق الصغير، فعلى سبيل المثال: لو تصدق الصغير بشيء من ماله لا ينفذ ولا يُعتد به، لأن في ذلك ضررًا عليه. ـ تصرفات تحتمل النفع وتحتمل الضرر، إذا كانت تصرفات الصغير مترددة بين النفع والضرر يتوقف صحتها ونفاذها على إجازة الولي أو الوصي، وذلك مثل البيع والشراء والإجارة والشفعة وسائر المعاوضات المالية، واشترط فيها إجازة الولي لأن مثل هذه التصرفات تحتمل الربح والخسارة.وقد نصَّت المادة (144) من قانون الأحوال الشخصية على أنه:أ ـ تصرفات الصغير غير المميز باطلة بطلانًا مطلقًا.ب ـ تصرفات الصغير المميز المالية صحيحة متى كانت نافعة له نفعًا محضًا، وباطلة متى كانت ضارة به ضررًا محضًا.ج ـ تصرفات الصغير المميز المالية المترددة بين النفع والضرر قابلة للإبطال لمصلحة الصغير، ويزول حق التمسك بالإبطال، إذا أجاز الصغير التصرف بعد بلوغه سن الرشد، أو إذا صدرت الإجازة من وليه أومن القاضي وفقًا للقانون).فقد ذكر هذا النَّص ثلاثة أحوال للتصرفات المالية للصغير المميز وهي:ـ تصرفات صحيحة ونافذة إذا كانت نافعة له نفعًا كاملًا.ـ تصرفات باطلة وغير نافذة إذا كانت تلك التصرفات ضارة له ضررًا كاملًا.ـ تصرفات مترددة بين النفع والضرر، وتكون باطلة، ويزول البطلان بإحدى حالتين: الأولى: إجازتها من قبل الصغير بعد بلوغه سن الرشد، والثانية: أجازها الولي أو القاضي شريطة أن يكون وفق القانون... وللحديث بقية.د/محمد بن عبدالله الهاشمي قاضي المحكمة العليا