حور بنت محمد العميرية:
اعتادت العائلة على حساب أيام العطلة الصيفية أيّما حساب حيث لا دقائق مُهدرة، وبين ثنايا السّاعات المُدققة وصفحاتِ القصص، كوّنت العائلة حلقة لتدارس حصيلة ما قرأهُ كل فرد منهم، وممّا يبعثُ سرور الأم والأب رؤية صغارهما وهم يتنافسون في سبيل إثراء بعضهم البعض، وكما جرَت العادة تتصدّر رُبى، صاحبةُ الفكر الثاقِب واللسان العذب قائمة المُثرين للجلسات.
حاذَت نهاية جلسة القراءة سؤال رُبى لوالديها:أمي، أبي، إلى أي دولة سنُسافرُ هذا الصيف؟ الحماس يلتهمني كل يوم!
تبادل الوالدان النظرات لثوانٍ قبل أن يردَّ قائلًا: حبيبتي الصّغيرة، قررتُ وأُمّك أن نقضي الإجازة في البلاد، فهناك العديد من المعالم التي لم ترونها من قبل.
رُبى والإخوة بصوت واحد: لماذا؟
الأب: بصراحة يا أبنائي ، أعاني من مشاكل مادية هذه الفترة ولا أُحب أن تتشابه عليكم الأيام في المنزل بدون سفر فقررتُ استغلال الفرصة وتعريفكم على معالم جميلة تُثريكم وتمتعكم!
رُبى: يبدو هذا مُقنعًا.
في أصبوحة اليوم الأول كانت السويعات التي قضتها العائلة في الطريق من محافظة مسقط إلى محافظة الداخلية ماتِعة، جبالٌ وقرى ممتدة، أناشيد وطنية، وتشويق الوالد لأبنائه بما في انتظارهم!
قضوا في اليوم الأول رحلةً تاريخية بين رُبوع حصن جبرين وقلعة بهلاء وسوقِها، أما اليوم الثاني فقد كانت الوجهة ممزوجة بالتراث والأصالة والفنون، في بيضة الإسلام ومنبع العُلماء.
وكان أول ما تبين لهم نقشٌ كُتِب عليه "سوق نزوى"، ولعل أبرز معالم السوق القلعة الموجودة بداخله.
صاحت رُبى: هذه قلعة نزوى!
واصلت الحديث بشغفٍ عن سلطان بن سيف اليعربي، الإمام الذي بُنيت القلعة في عهده، وعن قيمتها التراثية والثقافية مما أصاب الوالد بالذهول، ولكنها أذهبت استغرابه حين أخبرته أن رحلةَ الأمس ألهمتها بالبحثِ على الشبكة العنكبوتية عن القلاع في محافظة الداخلية.
ابتسم الأب، وقال بحماس شديد: وغداً، ستكون الرحلة الأكثر إثارة!
تقدمت لوحة خضراء الطريق المُسفلت المحاط باللون الأخضر من كل جانب: ولاية الحمراء تُرحب بكم.
ما إن ركن الوالد السيارة للولوج إلى مكان غريب، تساءل الأطفال: ما هذا المكان؟
أرسلت رُبى ابتسامتها للمغارة الضخمة التي كُتِب أعلاها "كهف الهوتة"، وشهقت إيذاناً ببدء المغامرة: واااااااسع!
ارتسم الحماس على الوجوه بما ألقاه المُرشد السياحي من معلومات على مسامعهم: الكهف موجود منذ أكثر من مليوني عام، ويعد من أشهر الكهوف في عُمان، كما أنه يحتوي على ثلاثة من أندر الحيوانات في العالم.
وفجأة صرخت رُبى وهي تتشبث بوالدها:أسد،أسد!
قهقه المُرشد قائلا: إنه تكون كلسي يا صغيرتي، يُمكنكِ تخيله أسدًا ويمكن لوالدك تخيله فيلًا مثلًا، تختلفُ الأمور حسب اختلاف أبعاد العين والخيال.
تردد الصدى، وهم يقتربون من البحيرة التي يعيش فيها أحد أندر أنواع الأسماك، وهي الأسماك العمياء، بلونها الوردي الشفاف، وهيكلها العظمي الواضح من خلف جلدها.
واصلت رُبى وعائلتها السير والاكتشاف، لوهلة ظنّت أنها في بلادٍ من نسج خيالها، ولكن هذه البلاد الأُعجوبة لم تكن إلا بلادها عُمان.

________
* ضمن مشروع مبادرة (أتخيّل وأكتب) للكاتبة بدرية البدرية (قررنا الذهاب في رحلة إلى كهف الهوتة، ولكننا أبداً لم نتخيّل ما حدث ...)