[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
ثمة شراكة، بين الوحل، والخنازير، إذ لا تستقيم حياة الخنزير إلا إذا كانت الأوحال قد علقت بجلده وأطرافه على سبيل المعايشة والتناظر بتحريك المياه الراكدة عنوة، (التجفيص)، مفردة عراقية تعني الحركة العشوائية، وهكذا لا تصلح الأوحال في الأغلب إلا بيئة حاضنة للخنازير، ولا طعم أو نكهة لحياتها إلا بطعم وأجواء الأوحال والروائح النتنة التي تنبعث منها.
بدافع الوقاية من التلوث، وبمعنى أشمل، الابتعاد من الخوض في القضايا التي لا تجلب لك سوى التلطيخ والسقوط في حضيض الصراع الذي يختار أماكنها الآخرون، أقول بهذا الدافع، أطلق البريطانيون حكمتهم التي تنص على الترفع من خوض المعارك ضد الخنازير في الأوحال.
تفيد هذه الحكمة تحذيرا، (لا تصارع الخنزير في الوحل فإنك تتسخ وهو يستمتع)، إنه يسحبك إلى الساحة التي يملكها ويريدها أن تكون حلبة للواقعة، ولك أن تتصور نفسك (مزينا) بالوحل في النتيجة النهائية حتى وإن هزمته.
من يضمن لك أن لا تقع تحت طائلة أسئلة تجد صعوبة في إيجاد أجوبة شافية لها، كيف استدرجك الخنزير إلى الوحل لخوض المعركة؟ أين تكافؤ الفرص هناك؟ وأين قرارك الراجح إذا كان يتفوق عليك في القوة العقلية المناسبة على وفق نظرية الدفاع الحيوي ذائعة الصيت؟ وهل يشرفك أن يعرف الآخرون أنك تصارعت مع خنزير اختار هو المكان والتوقيت المناسبين له؟ بل ما الأسبقيات التي يفترض بك أنك هيأتها لدعم موقفك؟ وكم يحتاج لك من وسائل (التنظيف) للتخلص من الوحل الذي لوثك؟ ومن يضمن أن الخنزير لا يملك القدرة على تشويه الحقائق فيؤسس لهزيمته على أنها انتصار له؟ ألا تعرف أن الحرب خدعة، وتأسيس الخراب بات منهجا يسود الساحات هذه الأيام بالمزيد من الزينة الخادعة؟
قد تقولون لي إنك أغلقت كل الأبواب، وإنك تريدنا صاغرين مستسلمين، والخنازير تصول وتجول وتهدد على مدار الساعة، وتملي شروطها بالمزيد من الجبروت، هذه هي حالة العالم الآن، غابة تحكمها القوة الغاشمة!
لا نصيحة لدي بهذا الشأن، كل ما أتطلع إليه أن أتقاسم معكم الرأي وأسأل بدوري، لماذا التحذير الناصح (لا تدخل الغابة لأنك ستجد غابة أخرى)؟ ثم لماذا يحتكم الخبراء في السياسة والاقتصاد إلى رجاحة استخدام القوة الناعمة التي أضيفت لها تسمية جديدة تحببا، (القوة الحريرية)؟ نسبة للحرير وليس إلى الراحل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، ولماذا يتم إهمال اللافتة التي تشير إلى أن من يملك الطريق لا ينبغي أن تشغله الأرصفة؟
بالوقائع، الصين لم تخض الحروب لتتقاسم النفوذ في العالم مع القوى ذات النفوذ التقليدي، الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي التي ورثت ذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.
لقد تفوقت الصين بالنفوذ التضامني، بالمعونات، بالتجارة وإمساك المزيد من الأسواق العالمية إلى الحد الذي دحرت فيه علامات تجارية(ماركات) عريقة لمستحضرات التجميل وطلاء الوجوه، واستولد المجتمع الدولي مجموعة دول البريكس بالتسلق من خلال (السرعة ببطء).
المشكلة لدى البعض عربيا، أنهم لم يكتشفوا بعد القيمة المحصورة بين مقدار الصفر وقيمة الرقم واحد، وفسروا تفسيرا ربحيا ساذجا قول الشاعر أبو القاسم الشابي (ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر).
لقد استسهلنا البحث عن أسباب تراجعنا، فألقينا التهم الباطلة وأخذنا (نثرد) بأواني الغسيل، في العراق نقول يثرد (باللكن)، واللكن هو إناء الغسيل بعد الولائم، الاختصاص العربي الملازم من أجل اللحاق بفضيلة حاتم الطائي.
بأية أسبقية، لا نعي أن الأوضاع تقتضي استحداث غرفة طوارئ لمعالجة جروح سوريا التي فتحت على مدى سبع سنوات بأموال عربية تقدر قيمتها بأكثر من ثمانين مليار دولار؟ ولماذا هذه الحرب الشعواء التي تأكل اليمن؟ وفي السياق، لماذا جرى لليبيا ما جرى، ويجري حتى الآن؟ وكيف ازداد عدد مجالس العزاء للعمل التشاوري القومي؟ وأي ذنب اقترفه المنهج التنموي المشترك الذي لم تتشكل له نواة واحدة لم تفككها السياسات الضيقة والكره الشخصي، والأفق المغلمن والخرافات المستقبلية.
الخلاصة، إذا كانت (قفزة) كورونا في إيطاليا وإسبانيا قد أخرجت هذه الجرثومة من دائرة السيطرة، فإن العديد من المواقف العربية قد أخرجت العرب من فرص الإمساك بأوضاعهم، ليس فقط على الصعيدين الإقليمي والدولي، وإنما انعكس ذلك أيضا بنمطية مزرية، داخل عدد من تلك البلدان.
يا للفرصة التي وفرتها لنا إطلالة كورونا المشؤومة في انتزاعنا من الكسل، وتأمل الذباب كيف يطير، نحن أمام المفترق للاختيار، وإلا فالحداد الشامل في الطريق، وعلى قدمين هذه المرة، مع عروض لخنازير تنتظر استدراجنا للوحل...