إن النهج المتوازن الذي انتهجه ـ المغفور له بإذن الله ـ السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ــ طيب الله ثراه ــ في سياسته الخارجية والذي ارتكز على مبدأ الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين لهو نهج متفرد اختطه المغفور له وسار فيه بحكمته وفطنته حتى جعل السلطنة ذات مكانة مرموقة لها ثقلها واحترامها بين دول العالم وساهم بذلك المنهاج في استقرار المنطقة والإقليم ونأى بها عن الصراعات المختلفة فكان نعم النهج ونعم المسلك.ومما لا شك فيه أن مسايسة الناس وملاطفتهم تضمن تقبلهم للأمر (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وذلك كان ديدنه ـ طيب الله ثراه، ففي ظل محيط مضطرب أدرك ببصيرته أن المجتمع بحاجة إلى من يحافظ على (شعرة معاوية)، فكان شعاره العفو عند المقدرة والتجاوز الذي لا يهين، وخلال فترة حكمه التي امتدت لخمسة عقود أصبح صديقاً للجميع وتمكن من الجمع بين مختلف المتناقضات الاقليمية والدولية ليكون طرفاً وسيطاً لإعادة المياه إلى مجاريها في العديد من القضايا السياسية وأصبحت مسقط هي الحاضنة والجامعة للشتات.لقد سعى السلطان الراحل إلى رأب الصدع والتئام الصف ووحدة الكلمة من خلال أدوار الوساطة التي لعبتها السلطنة والتي غدت في عهده موضع ثقة من القوى الغربية ومن دول الجوار والمنطقة، وقد تميّزت ملفّات المفاوضات بالتكتم وكانت تتم دون بهرجة وأضواء إعلامية فلا أحد يعلم بما يدور في كواليس طاولة الحوار إلا بعد انتهائها ونجاحها، واستطاع ـ المغفور له ـ بفضل الله عزوجل أولاً وبفضل اتباعه لسياسة (شعرة معاوية) أن يصنع تاريخاً جديداً لبلده ومسيرة حديثة في حقبة تاريخية ليست بالطويلة في حياة الشعوب، فقد نفض عنها غبار العزلة والجمود.(شعرة معاوية) يضرب بها المثل في وسطية التعامل التي تكفل الاستمرارية وتأمين الديمومة والاستمرار، فيقال إن أعرابياً سأل معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه: كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟ فقال معاوية:(إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها)، وهكذا كان دأبه ـ رحمه الله ـ فقد كان يمد ويرخي، يبدّل العراك إلى عناق، يضع الأمور في نصابها لم تأخذه عاطفة ولم تحكمه عصبية، لم يكن قاسياً ولا ليّناً، لعب دور رجل الإطفاء فخمد نيران الفتنة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فكان رمزاً للحكمة وحسن التصرف.وعلى خطى الراحل تعهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم ــ حفظه الله ورعاه ــ بالتمسك بالثوابت التي اخطتها المغفور له لسياسة السلطنة الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وستمضي عمان بعون الله على ذات الإرث السياسي مع توطيد التجربة وتطويرها، فالمنطقة بحاجة إلى من يقوم بدور الحياد الإيجابي المحمود في ظل تعقيدات الحياة وتداخل المصالح، والمنطقة بحاجة ماسة إلى (شعرة معاوية) والتي بلا شك سيحافظ عليها السلطان الجديد لما يتسم من صفات وقدرات تأهله على حمل الأمانة وبالتالي فإنها لن تنقطع في السياسة العمانية المتجددة.* آخر سطر:اللهم ارحم ميتاً مازال في قلوب شعبه حياً، ربي اجعله ممّن يفترشون ريحان الجنّة ويتوسدون سندسها إلى يوم يبعثون.عبدالله بن سعيد الجردانيمراسل (الوطن) بولاية العامرات[email protected]