أسس المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ـ على امتداد سنوات حكمه، نهضة شاملة في ربوع السلطنة، ورفع اسم عُمان عاليًا على المستوى الإقليمي والعالمي، وأعاد لها أمجادها التاريخية، وعظمتها الحضارية. فقد وضع السلطان قابوس منذ توليه مقاليد الحكم في 23 يوليو 1970م رؤية واضحـة، دقيقة ومحددة لواقع المجتمع العُماني ومجمل الظروف المحيطة به محليًا وإقليميًا ودوليًا، ووسائل النهوض به والأولويات التي ينبغي السير فيها.
واستطاع جلالة السلطان قابوس بن سعيد أن يضع القاعدة الصلبة للاستقرار والتنميـة المستدامة، بفكر واع، ورؤية شاملة أدركت معطـيات الواقع العُماني عبر مسارين أساسيين، أولهما تحقيق وترسيخ الروح الوطنية التي تحظى بالأولية، باعتبارها الركيزة التي تنطلق منها جهود البناء والتطوير في كل المجالات والتي تتطلب مناخا من الأمن والأمان والاستقرار وهو ما تم تحقيقه بشكل كامل.
وثانيهما فتح كافة المجالات أمام المواطن ليقوم بالدور الأساسي كشريك في صياغة التنمية وتوجيهها، ومن ثم الاعتماد على مخزون الطاقة البشرية والثقة في قدرات المواطن وإتاحة الفرصة أمامه ليقوم بدوره.
لقد كانت الأهداف واضحة منذ اليوم الأول لتولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، وكان الوعد الذي أطلقه في البيان التاريخي الأول إلى الشعب يوم تسلمه زمام الحكم في 23 يوليو 1970م، حيث أشار إلى أن ثمة مستقبل باهر ينتظر السلطنة، ويعيد لها مجدها الذي كان، وشهرتها الواسعة بين الأقطار العربية والعالمية، وكل ذلك سيتحقق إذا ما تكاتف الشعب وسار خلف قيادته وتعاون لإعادة مجده ومكانته التي يستحقها.
وقد كان الذي سعى إليه السلطان قابوس، فقد لقيت هذه الدعوة استجابة واسعة من أبناء الشعب العُماني، الذين هبوا خلف قيادتهم الحكيمة، وشقوا طريقهم إلى المستقبل بكل همة ونشاط وعزيمة، زادهم في ذلك التوكل على الله تعالى والاستعانة به، وكان التلاحم والتكاتف بين الحكومة والشعب، هو عنوان النهضة العُمانية وهي تشق طريقها، واستطاع جلالة السلطان قابوس بن سعيد بحنكته وحكمته من ترسيـخ الوحدة الوطنية، وبعث روح التضامن والتكـافل والتماسك في إطار الهوية العُمانية لتنطلق عُمان بكل طاقاتها لبناء حـاضرها والتخطيط لمستقبلها.
لقد كانت مرحلة البناء والتعمير، منذ اليوم لتولي المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور مقاليد الحكم في البلاد، حيث انطلقت عمليات البناء في كل مواقع العمل ومجالات الحياة، من أجل توفير حياة كريمة للمواطن العُماني، وارتكزت مسيرة البناء والتنمية إلى رؤية شاملة وإلى إدراك عميق لمتطلبات الحاضر واحتياجات المستقبل، وقامت على حشد طاقات الوطن، والدفع بالمواطن العُماني إلى مواقع المشاركة في صياغة وتوجيه جهود التنمية الوطنية، في كل المجالات وعلى كافة المستويات.
كان جلالة السلطان قابوس بن سعيد مدركا منذ البدء، أن المهمة الأولى للتنمية تكمن في وحدة الشعب، وترابط أبنائه، وتحمل الجميع مسئولياتهم، وارتباطهم بهذه الأرض الطيبة، ولذا أطلق جلالته خطة البناء والتعمير في بيانه التاريخي الأول يوم تسلمه زمام الحكم في 23 يوليو 1970م.
وعلى الرغم من إنه لم يكن خافيًا على أحد ما كان يكتنف الأرض العُمانية من تشرذم وشتات، وتباعد، نتيجة عوامل سياسية واجتماعية عدة، إلا أن الرؤية الحكيمة لجلالة السلطان قابوس استطاعت أن تبدد كل ذلك، وأن توجد كيانًا موحدًا قادرًا على إدارة دفة التنمية والحفاظ على مكتسباتها وإنجازاتها، بما يحفظ لها الديمومة والاستمرار، ويمكنها من التأقلم والتعاطي مع المحيط الخارجي، ويهيئ لها المكانة المرموقة، بين دول العالم.
كانت مشاريع التنمية تدور رحاها في كل مجال، وعلى كل شبر من عُمان، وكانت صروح التعليم والصحة والإسكان من أوائل المشاريع التي نفذت مع بواكير النهضة الحديثة، ففي السنة الأولى من تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله تعالى ـ افتتحت (15) مدرسة جديدة و(6) مستشفيات وعشرات المراكز الصحية، واستقبلت المدارس آلاف الطلبة والطالبات، وباتت الخدمات التعليمية الطبية مجانية ومتوفرة لجميع المواطنين، وتم افتتاح العديد من المجمعات السكنية والمدن الجديدة، كمدينة السلطان قابوس وتم الانتقال إلى مباني حديثة وعصرية مزودة بكافة الخدمات.
ومع توالي مشاريع التنمية والبناء، وانتقال عُمان إلى مرحلة جديدة من الحضور العالمي، كان لا بد من إقامة مطار جديد، يستوعب حركة الطيران الحديثة، ويكون بديلا لمطار بيت الفلج الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1929م، والذي كان عبارة عن ممر هبوط ترابي ضيق بمعدات ومرافق محدودة، ذلك من جهة، ومن جهة أخرى يكون نافذة تطل منها عُمان على العالم إطلالة كلها تفاؤل وأمل، ولذلك تم في 23/12/1973م، الافتتاح الرسمي لمطار السيب الدولي (مطار مسقط الدولي حاليا)، وجنبا إلى جنب مع النافذة الجوية للسلطنة، تم في 20/11/1974م، افتتاح ميناء السلطان قابوس ليكون إطلالة عُمان البحرية على العالم، ويواكب مرحلة التقدم التي تشهدها السلطنة، وقد اكتسب ميناء السلطان قابوس تميزًا في موقعه، انعكس من أهمية موقع السلطنة الاستراتيجي، حيث تقع في مفترق الطرق التجارية بين الشرق والغرب، وتحتل مركزًا فريدًا تطل منه على الطرق الملاحية بين المواني الأوروبية والمتوسطية والإفريقية وتلك التي تقع في شبه الجزيرة الهندية وجنوب شرق آسيا.
وجاء افتتاح جامعة السلطان قابوس في 9/11/1986م، كثمرة تكميلية ولبنة تستكمل بها مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي منشآتها وهيئاتها، حيث حققت النهضة العُمانية في مجال التعليم طفرة عالية ونجاحا ضخما بكل المقاييس، وكانت جامعة السلطان قابوس أحد الصروح العلمية البارزة التي أسهمت بشكل كبير في تخريج أفواج عُمانية قادرة على حمل أعباء المسئولية والقيام بواجب البناء والتعمير والولوج إلى المستقبل الزاهر بإذن الله تعالى بأيادي عُمانية تفكر وتبني وتخطط.
وشهد عقد التسعينات من القرن العشرين تبلور وتكامل البناء المؤسسي للدولة العمانية الحديثة على نحو مكنها من الانطلاق في عمليات التنمية والبناء الوطني في اطار يقوم على عمل مؤسسات الدولة المختلفة، تنفيذية وبرلمانية وقضائية وإدارية من ناحية، وعلى حكم القانون من ناحية ثانية.
وقد جاء إنشاء مجلس الشورى في 12 نوفمبر 1991م تحديثا لتجربة المجلس الاستشاري الذي أنشئ في 18 أكتوبر 1981م، ولتجربة مسيرة العمل الديمقراطي في السلطنة، وليبقى مجلس الشورى ويتطور وذلك في إطار المبادئ الثابتة التي توجه سياسة السلطنة.
وكان من العلامات المهمة لعقد التسعينيات، أنه شهد صدور النظام الأساسي للدولة وفق المرسوم السلطاني (101/96) في 6 نوفمبر 1996م، وما ترتب على ذلك من تحديد وترسيخ ملامح السياسات العمانية، على كافة المستويات، من خلال إطار قانوني محدد ومعلن ومتكامل، ومن ثم بدأت عملية إعادة صياغة مؤسسات المجتمع واجهزته المختلفة بما فيها القضاء وكذلك القوانين المنظمة لحركة الدولة والمجتمع في ضوء ما تضمنه النظام الأساسي للدولة من مبادئ وقواعد، بما يستوعب التطورات التي حدثت منذ عام 1970م سواء على صعيد الدولة والمجتمع من ناحية، والانطلاق بها نحو تلبية طموحات المواطن العماني وتحقيق درجة أعلى من التقدم الاقتصادي والاجتماعي والمشاركة الفعالة للمواطن في صنع القرار من ناحية ثانية.
لقد استطاع المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد أن يجمع العُمانيون صفًا واحدًا، ويوحد كلمتهم ويجمع شتاتهم، وعمت التنمية الشاملة في عهده عُمان سهولها وجبالها، مدنها وقراها، وأسهمت بشكل كبير في صياغة الكثير من الرؤى والأفكار على المستوى الإقليمي والدولي، وحازت على أعلى إشادة وتقدير الجميع.
ولأن كانت التنمية العمانية الحديثة قد انطلقت في عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فأن عجلة البناء والتنمية ماضية بإذن الله تعالى في عهد حضرة صاجب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد ـ حفظه الله ورعاه ـ، الذي أكد المواصلة على السير النهج القويم لجلالة السلطان قابوس بن سعيد والتأسي بخطاه النيرة التي خطاها بثبات وعزم إلى المستقبل والحفاظ على ما أنجزه والبناء عليه"، مؤكدا جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ العزم بإذن الله وعونه وتوفيقه على السير فيه والبناء عليه لترقى عمان إلى المكانة المرموقة التي أرادها لها السلطان قابوس وسهر على تحقيقها فكتب الله له النجاح والتوفيق.

• بتصرف من كتاب عمان السنوي