عيادة المريض، وزيارة العليل الشاكي من الآداب الإنسانية الرفيعة التي حث الإسلام عليها وجعلها من حقوق المسلم على أخيه المسلم، فهي من سبل المحبة والتآخي بين المسلمين، ومن أسباب التآخي بين المؤمنين، ومن طرق التآلف بين قلوبهم المسلمين، يقول الله تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(آل عمران ـ 103)، فعن أبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ (صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ) يَقُولُ:(حَق المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ خَمسٌ: رَدُ السلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدعوَةِ، وَتَشمِيتُ العَاطِسِ) (رواه مسلم ـ رقم 2162).لعيادة المريض آثار طيبة على المريض وأهله، فالمريض بعيادته وزيارته يشعر بروح الأخوة الإسلامية، ويشعر بروح الرابطة الإيمانية، فيكون ذلك الشعور الطيب سببًا في تخفيف آلامه وأوجاعه، وسببًا في تخفيف أحزانه ومعاناته، وسببًا في رفع معنوياته، مما يكون له أثر إيجابي في نفسه يعين على شفائه ويسهم في علاجه، أما أثر زيارة المريض على أهله فتشعرهم بوقوف الناس معهم مما يوثق العلاقة والرابطة بينهم أكثر فأكثر، حيث تترك تلك الزيارة بصمات رائعة في قلوبهم، فتوصل بين أفراد المجتمع غصن التعارف والتقارب، وتغرس بينهم شجرة التواصل والوداد، وتوثق بينهم حبل التراحم والترابط، كأنهم أسرةٌ واحدة، وفي هذا خير عميم وفضل كبير، لذا كان السلف إذا فقدوا أحدًا من إخوانهم سألوا عنه وعن أحواله واخباره؛ فإن كان غائبًا دعوا له بالخير دعوا له بأن يحفظه الله وبأن يوفقه الله، وبأن يرجعه الله إلى أهله سالمًا غانمًا، وخلفوه خيرًا في أهله، وإن كان عائدًا زاروه وقدموا له التهنئة، وإن كان مريضاً عادوه، ودعوا له بالشفاء والصحة والعافية.وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم):(خَمْسٌ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: رَدُّ التَّحِيَّةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَشُهُودُ الْجِنَازَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ) (أخرجه أحمد 2/332)، و(البخاري في الأَدب المفرد، رقم 519)، و(ابن ماجه رقم 1435).لقد جعل الإسلام لزيارة المريض فضلًا عظيمًا، وأجرًا جزيلًا، وثوابًا كبيرًا، كما جعل لها آدابًا يجب تعرف وتقدر وتراعى عند زيارة المريض، آدابًا يجب أن يلتزم بها كل من يعود مريضًا.فمن ثواب وفضل وأجر عيادة المريض، أن الزائر للمريض يكون في معية الله تعالى، يحظى بالحفظ الرباني، وتصلى عليه الملائكة أي تستغفر له الملائكة، وتتنزل عليه الرحمة والمغفرة، فالزائر للمريض طوال ممشاه إليه يكون يمشي في رياض الجنة، حتى يصل فيتبوّأ منها منزلًا، فعن جابرَ بنَ عَبْداللهِ ـ رضي الله عنه ـ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ:(مَنْ عَادَ مَرِيضًا، خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ، حَتَّى إِذَا قَعَدَ اسْتَقَرَّ فِيهَا)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم):(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مَا اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّة)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:(إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ، أَوْ زَارَهُ، قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلًا)، ومن فضل زيارة المريض معرفة نعمة الله على الزائر لأنه كما يقال وبضدها تتميز الأشياء، فإذا رأى الزائر المريض نظر إلى نفسه وتذكر نعمة الله عليه بالصحة والعافية. أمًا آداب زيارة المريض، فتجمل في الآتي: أولًا: الإخلاص لله تعالى أي تكون زيارته خالصة لوجه الله تعالى؛ بان تكون نيته رضا الله تعالى، وتأدية حق أخيه المسلم عليه، وذلك حتى يؤجر من قبل الله على زيارته، وحتى يقبل دعاءه لأخيه، وثانيًا: اختيار الوقت المناسب للزيارة سواء كانت الزيارة في المستشفى أو في البيت، فالبعض يتعجل في زيارة المريض فبمجرد سماعه أن فلانًا قد خرج من غرفة العمليات يذهب إليه مباشرة، وقد يكون هذا المريض يحتاج إلى الراحة، والتوسط هنا هو المطلوب فلا نتعجل الزيارة، ولا نفوت موعدها. أيضًا لا تكون الزيارة وقت النوم والراحة أو وقت الطعام أو في وقت متأخر من الليل. .. وللحديث بقية.