إنّ الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات، وإذا كان علم الفقه يدور حول هذه الأشياء الثلاثة، فإن علم أصول الفقه هو بمثابة الشمس الشارقة عليه وهو مفتاحه، ومن عرف الأصول سهل عليه معرفة الفروع.
عزيزي الصائم .. نواصل ذكر ما تبقى من أحكام المطلق والمقيد:
3 ـ أن يتحدا في الحكم ويختلفا في الموجب (السبب): ومثاله المطلق في قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) (المجادلة ـ 3), والمقيد بوصف (مؤمنة) في قوله تعالى:(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (النساء ـ 92) فهنا اتحدا في الحكم وهو تحرير رقبة واختلفا في السبب الموجب فسبب المطلق العودة عن الظهار, وسبب المقيد قتل المؤمن خطأً, ففي الحمل خلاف فالشافعية وبعض صحبنا حملا المطلق على المقيد خلافاً للحنفية ولبعض صحبنا, وحجة الشافعية ومن وافقهم أن بينهما جامع وهو الحرمة في سببيهما وهو الظهار والقتل الخطأ, وظاهر المصنف إنه يصوب المانع ولذا يذهب إلى منع الحمل توافقاً مع الحنفية ولعل ذلك أتى من أن اختلاف السببين ينتج عنه بقاؤهما على اختلاف لا على اتحادهما الحاصل بالحمل وبذلك يختلف الحكمان في الوصف وان اتحدا في الحقيقة.
4 ـ أن يتحدا في السبب ويختلفا في الحكم: مثاله المطلق(أيديكم) في قوله سبحانه:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (النساء ـ 43) والمطلق بالغاية وهو (أيديكم إلى المرافق) في قوله تعالى :(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) (المائدة ـ 6) فحكم المطلق هو المسح بالتراب في التيمم بينما حكم المقيد هو الغسل في الوضوء لكنهما اتحدا في السبب الذي هو رفع الحدث المانع عن الصلاة, الوضوء, ففي الحمل خلاف فقيل حمله بعض الشافعية وقيل إنهم أخذوه من الحديث الشريف لا من التقييد وعلى الأخير يكون الاتفاق في عدم الحمل في هذه الحالة والله أعلم. من العام:(من), و(ما): وتختص (من) بالعاقل, بينما (ما) بغير عاقل, ويصح مجيئ معنى أحدهما على معنى الآخر لنكت بلاغية بديعة.
أولاً ـ أنواعها:
1ـ زائدتان (من الخاص): إما (مَن) فهي مختصة للعاقل وتشمل الذكور والإناث و(ما) لغير العاقل هذا الأصل ويجوز الخروج عنه بقرائن, زائدتان غير كافتين: فمثال (ما) الزائدة هو كما في قوله سبحانه:(مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا) (الكهف ـ 25), وكونهما زائدتين أنهما لو خذفتا من السياق لم يتغير معناه, وكونهما غير كافتين لأنها لا تكف غيرها عن عمله الأعرابي.
ومثال (ما) الزائدة الكافة كما في قوله تعالى:(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة ـ 55), والمكفوفة هي (أن) حيث كُفّت عن عملها في نصب الاسم فجاء مرفوعاً على الابتدائية.
2 ـ موصوفتان (من الخاص): ويكون الموصوف به نكرة, نحو (اشتريت (ما) نافعاً لك), و(أهديت مَن معجباً لك), لأن من الوصف ما هو مخصص.
3 ـ موصولتان (تترددان بين العام والخاص حسب القرائن), ومثال العموم قوله سبحانه:(وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران ـ 83), وقوله تعالى:(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة ـ 29), ومثاله كخاص:(النشيط من يدخل الجامعة) ومثاله كعام:(النشيط من يدخل الجامعة أولاً).
4 ـ استفهاميتان (التردد بين العموم والخصوص), وهما لطلب الاستفهام, ويفيدان العموم في حال عدم القرينة, فمثلاً:(من دخل البيت؟) هنا عموم, لكن لو قلت:(من دخل البيت أولاً؟) هنا تعين الخاص في إفادتهما, والقرينة (أولاً) عينت رتبته.
5 ـ شرطيتان (التردد بين الخاص والعام) ويتكون الشرط من جملتين أولهما جملة فعل الشرط وثانيهما جملة جواب الشرط, مثال العام:(من يدخل الباب أعطه مالاً) فهنا عام, ومثال الخاص:(من يدخل الباب أولاً أعطه مالاً).