نشرت في عمود رحاب ليوم الثلاثاء الماضي مقالا بعنوان "كن رقيبا على ذاتك" وتلقيت تعقيبا من صديق سوداني يعمل في السلطنة، يدعى مهدي أبو نورة من المهتمين بالطاقات الروحية والتأمل الصوفي، يجمع بين العلم والتواضع وتزكية النفس، ويسرني أن أهدي رده إلى قراء عمود رحاب".
طالعت عمودك (رحاب) الصادر في صحيفة الوطن بتاريخ 2 سبتمبر 2014 م بعنوان (كن رقيبا علي ذاتك) والذي تحدثت فيه عن فضيلة (الصمت) وحقيقة الموضوع شيق جدا . وما شدني إليه أنني أعرف شيخا فاضلا من إخواننا السودانيين، يدعي الشيخ (بشير محمد بشير) والملقب ب (شيخ بشير الصامت) لأنه لا يتحدث أبدا منذ فترة طويلة جدا وصام عن الكلام، وإذا وجهت له سؤالا يمسك بقلم وورقة ويجاوبك على السؤال. تخرج الشيخ بشير الصامت من جامعة ( السوربون ) الفرنسية بشهادة ماجستير في الاقتصاد والعلوم السياسية وكان ذلك في عام ( 1976 م ) وحتى تلك الفترة كان الشيخ كثير المزاح مع معارفه وأصحابه ولكن بعد ذلك تتلمذ علي يد الشيخ المعروف ( عبدالرحيم محمد وقيع الله ) والذي يعرف بالشيخ البرعي وهو معروف لدى جميع أهل السودان ولديه ( مسيد ) لتعليم القران والفقه ، وبعد مرور عدة أعوام من وجود الشيخ ( بشير ) بالمسيد فجأة أصبح لا يتكلم وصار بعدها يستخدم الورقة والقلم في الردود علي الأسئلة وهو في حاله هذا منذ مايقارب العشرون عاما وحتي اليوم لا يعرف أحد اسر صمته . وقد تواجد الشيخ ( بشير) في السلطنة لفترة وكان يزور مدينة صلالة من فترة لأخرى وهو رجل زاهد وعابد وتجده طوال الوقت في حالة صلاة وذكر وعبادة وصوم فمعروف عنه أنه في حالة صوم مستمر .
وكتب الشيخ (بشير) عن فضيلة الصمت كثيرا وقال (لسانك أسد ان لم تحبسه افترسك) ولقد حاوره تلفزيون السودان عام 2000 م . فابتدر المذيع الذي أجري معه الحوار بأن الله عز وجل أخبرنا في محكم تنزيله (ولقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ) وقد أمد الله الانسان بالجوارح ومنها اللسان لنطقه لا لسكوته ونود أن نعرف لماذا هذا الصمت والسكوت عن الكلام ؟
ويجيب الشيخ بشير كتابة (منع اللسان عن فضول الكلام لأنه كهف البلاء وجالب الآفات ، ويقولون ان من الصمت لحكمه فان كانت (من) تفيد البعضية فكيف بالكل والصمت يفجر ينابيع الحكمة في النفس ويبعث بإشراقات الجمال في القلب) . فسأله المذيع مرة ثانية يقول الله تعالي (اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا) لماذا نذرت هذا الصوم وما الحكمة في ذلك؟ فيجيب الشيخ (كثيرا ما يحكم الناس بظاهر ما يرونه الصوم هو الأريحية الوحيدة بين العبد وربه وهنالك مجاهدات لكبح جماح النفوس للتدرج من – الأمارة الى – اللوامة – فالملهمة – والمطمئنة – والراضية – والمرضية، هذه المجاهدات تتطلب الارشاد المباشر من مرشد خبير.
ويسأله المذيع : عن ثمار الصوم والصمت فيجيبها كتابة ( ان الله يدافع عن الذين أمنوا ) والحمد لله علي نعمه الظاهرة والباطنة ما ندمت علي صمتي لأن الندم فارقني عندما فارقت الكلام والحمد لله علي محبة الناس ويقول حتي قلمي أخذته الغبطة من نعمة صمت لساني فصار لا يكتب الا ما يبعث السرور في قلوب جلسائي ، وجدت في الصمت راحة البال، صار يفرحني الحزن ولا حزن مع الفرح بالطبع، نعم من حق أي شخص أن يتساءل عن صمتي والحمد لله لا بدعة في ذلك لأربعة عشرة عاما فأنا صامت ولو كانت بدعة لملتها النفس وأدعي بأنها خاصية لأن الله يختص من عبيده ما يشاء بما يشاء ويهنئ لهم النجاح . ويبتسم الشيخ ويكتب اذا لم تجدوا الاجابة الشافية من هذه الكلمات فانسبوا الصمت الى النذر والنذر غير محظور الا اذا الحق ضررا وحمدا لله فلم يضرني صمتي) .

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية