اعداد ـ أم يوسفالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .. نعيش مع سورة الأنبياء من خلال تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.سميت (سورة الأنبياء) لأن الله تعالى ذكر فيها جملة من الأنبياء الكرام في استعراض سريع يطول أحيانا ويَقْصُر أحيانا وذكر جهادهم وصبرهم وتضحيتهم في سبيل الله وتفانيهم في تبليغ الدعوة لإسعاد البشرية، وهي مكية من المئين عدد آياتها (112) ترتيبها الحادية والعشرون نزلت بعد سورة (ابراهيم)، وهي تعالج موضوع العقيدة الاسلامية في ميادينها الكبيرة: الرسالة، الوحدانية، البعث والجزاء وتتحدث عن الساعة وشدائدها والقيامة وأهوالها وعن قصص الأنبياء والمرسلين.قال تعالى:(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ، قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ، أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ، بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ).قوله تعالى:(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) هذا تسلية للنبي (صلى الله عليه وسلم) وتعزية له، يقول: إن استهزأ بك هؤلاء، فقد استهزئ برسل من قبلك، فاصبر كما صبروا. ثم وعده النصر فقال:(فَحَاقَ) أي: أحاط ودار (بِالَّذِينَ) كفروا (سَخِرُوا مِنْهُمْ) وهزئوا بهم (مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أي: جزاء استهزائهم.قوله تعالى:(قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ) أي: يحرسكم ويحفظكم. والكلاءة الحراسة والحفظ كلاه الله كلاء (بالكسر) أي: حفظه وحرسه، يقال: اذهب في كلاءة الله واكتلأت منهم أي احترست، قال الشاعر هو ابن هرمة: إن سليمى والله يكلؤها ضنت بشيء ما كان يرزؤهاوقال آخر:(أنخت بعيري واكتلأت بعينه).وحكى الكسائي والفراء (قُلْ مَنْ يكْلَوْكُمْ) بفتح اللام وإسكان الواو. وحكيا (مَنْ يَكْلاَكُمْ) على تخفيف الهمزة في الوجهين، والمعروف تحقيق الهمزة وهي قراءة العامة، فأما (يَكْلاَكُمْ) فخطأ من وجهين فيما ذكره النحاس: أحدهما: أن بدل الهمزة يكون في الشعر، والثاني: أنهما يقولان في الماضي كليته، فينقلب المعنى، لأن كليته أوجعت كليته، ومن قال لرجل: كلاك الله فقد دعا عليه بأن يصيبه الله بالوجع في كليته.ثم قيل: مخرج اللفظ مخرج الاستفهام والمراد به النفي. وتقديره: قل لا حافظ لكم (بِاللَّيْلِ) إذا نمتم (وَالنَّهَارِ) إذا قمتم وتصرفتم في أموركم. (مِنَ الرَّحْمَنِ) أي من عذابه وبأسه، كقوله تعالى:(فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ) (هود ـ 63) أي: من عذاب الله.والخطاب لمن اعترف منهم بالصانع أي: إذا أقررتم بأنه الخالق ، فهو القادر على إحلال العذاب الذي تستعجلونه. (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ) أي عن القرآن. وقيل: عن مواعظ ربهم وقيل: عن معرفته. (مُعْرِضُونَ) لاهون غافلون.قوله تعالى:(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ) المعنى: ألهم والميم صلة. (تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا) أي من عذابنا، (لا يَسْتَطِيعُونَ) يعني الذين زعم هؤلاء الكفار. أنهم ينصرونهم لا يستطيعون (نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) فكيف ينصرون عابديهم. (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) قال ابن عباس: يمنعون. وعنه: يجارون، وهو اختيار الطبري. تقول العرب: أنا لك جار وصاحب. من فلان، أي: مجير منه، قال الشاعر: ينادي بأعلى صوته متعوذا ليصحب منها والرماح دوانيوروى معمر عن ابن أبي نجيح عن قال:(يُنْصَرُونَ) أي يحفظون. قتادة: أي لا يصحبهم الله بخير، ولا يجعل رحمته صاحبا لهم.قوله تعالى:(بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ) قال ابن عباس: يريد أهل مكة. أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها (حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) في النعمة. فظنوا أنها لا تزول عنهم، فاغتروا وأعرضوا عن تدبر حجج (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) أي بالظهور عليها لك يا محمد أرضا بعد أرض ، وفتحها بلدا بعد بلد مما حول مكة، قال معناه الحسن وغيره. وقيل: بالقتل والسبي، حكاه الكلبي. والمعنى واحد. وقد مضى في “الرعد” الكلام في هذا مستوفى. (أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ) يعني: كفار مكة بعد أن نقصنا من أطرافهم ، بل أنت تغلبهم وتظهر عليهم .. والله أعلم.