عرض ـ مبارك بن عبدالله العامريعلى مرّ التاريخ، يشكل العلماء حصن الدفاع الأول عن الأمة، بمعتقداتها وشرائعها،، فقد استحقوا المكانة العالية في الإسلام، ونالوا عن جدارة نوط وراثة الأنبياء من الدرجة الأولى، وهو الذي لا يعطى إلا لمن هو أهل له. وقد حرص الإسلام منذ البداية على توقير ألعلماء، وإعطائهم المكانة الخاصة بهم، والتحذير من النيل منهم، أو تشويههم، أو الإساءة للعلماء مكانة عظيمة حفظها لهم الشرع المطهر، لعظم قدرهم في الأمة، فطاعتهم طاعة لله عز وجل وطاعة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فالتزام أمرهم واجب، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولو الأمر منكم ..) (النساء ـ 59)، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في تفسير أولي الأمر منكم:(يعني أهل الفقه والدين وأهل الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله طاعتهم على عباده) (تفسير الطبري)، ومرد طاعة الأمراء إلى طاعة العلماء، ومرد طاعة العلماء إلى طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله الله (صلى الله عليه وسلم).وأدلة بيان المنزلة في الشريعة كثيرة، من بينها، شهادة الخالق سبحانه لهم على أعظم مشهود وهو التوحيد، قال تعالى:(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (آل عمران ـ 18).وإصدار (الشيخ العلامة عامر بن خميس المالكي قاضياً) يبرز المؤلف فيه عن حياة هذا العالم والقاضي العادل الذي خلد التاريخ ذكراه هذا الإصدار من تأليف الدكتور عبدالله بن راشد السيابي ويقع في 80 صفحة وصدر عن مكتبة خزائن الاثار.في بداية هذا الإصدار تطرق المؤلف إلى حياته الشخصية: هو الشيخ عامر بن خميس بن مسعود بن ناصر بن مسعود بن أحمد بن حديد بن خميس بن عبدالله بن عمر المالكي الشرياني يكنى بأبي مالك ويصل نسبه إلى شريان بن شاري بن يحمد يجتمع نسبه ببني خروص في اليحمد .ولد الشيخ ـ رحمه الله ـ في سيح الحيل بوادي بني خالد من المنطقة الشرقية بين عامي (1282 ـ 1284هـ / 1864 ـ 1866م) وذلك قبل قيام إمامة الإمام عزان بن قيس البوسعيدي بخمس سنوات تقريباً.نشأ الشيخ أبومالك في كنف أبيه تربية وعناية، وتعلم القرآن ومبادئ القراءة والكتابة في بلده وادي بني خالد ثم انتقل مع أسرته إلى القابل من الشرقية واستقر في قرية عز، وكان شديد الحرص عظيم الهمة في طلب العلم، حتى يروى عنه (أنه يوقد السراج من بعد العشاء ويواصل قراءته إلى الفجر، وفي ليلة ما هطلت أمطار غزيرة مصحوبة بالرعد والبرق، ولم ينتبه لذلك حتى خرج لصلاة الفجر فرأى المياه حول المنزل، فسأل أهل بيته قائلاً من أين هذا؟ قالوا له وهم متعجبون من كلامه: إنها نزلت أمطار بالليل. وتحدث المؤلف عن العلماء الجهابذة الذين كان لهم الدور الكبير في حياة الشيخ في الاستفادة منهم علما وعملا وأخلاقا وهم: الشيخ سعيد بن علي بن عيسى بن سالم بن راشد بن حسن بن خميس الصقري الريامي، الذي ولد في إبراء ونشأ في كنف أبيه كان محبا للعلم منذ صباه، تعلم على يد المحقق الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، وسافر إلى شرقي أفريقيا في أواخر دولة السيد سعيد بن سلطان (تولى الحكم 1223هـ ـ 1806م) واشتغل بالتجارة، فعاش متردداً بين عُمان وشرقي أفريقيا وساعياً لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وكان عالماً ورعاً زاهداً ميسور الحال يؤوي طلبة العلم، ولا يفتر لسانه عن ذكر الله، متواضعاً خاشعاً خائفاً من سوء العاقبة ولحبه لأهل الفضل والعلم أنشأ مدرسة خرجت العديد من طلاب العلم ومن أبرزهم: العلامة المالكي وابنه سعود وغيرهم، والشيخ صالح بن علي بن ناصر بن عيسى بن صالح بن عيسى بن راشد بن سعيد بن رجب الحارثي ولد في القابل سنة 1250هـ ونشأ بها وهاجر إلى زنجبار وتعلم النحو والصرف وعلمي المعاني والبيان على أحد علماء أرض الصومال، ثم أخذ العلم عن الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي وبقي متردداً عليه، حتى أصبح من العلماء المشار إليهم بالبنان، حيث كان يقظاً حازماً متواضعاً للحق، والعلامة نور الدين أبومحمد عبدالله بن حميد بن سلوم بن عبيد بن خلفان بن خميس السالمي ولد ببلدة الحوقين سنة 1286هـ الموافق 1870 ونشأ بها، وقرأ القرآن الكريم عند والده رحمه وكفّ بصره وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان في صباه حافظاً قوي الذاكرة عرف بغزارة علمه، يظهر ذلك من تأليفه الجمة في مختلف الفنون الشرعية والعربية، وهو من أهل التحقيق والإجادة في التأليف والاجتهاد المطلق، فلازم الشيخ عامر أستاذه نور الدين السالمي وانقطع إليه وذلك بعد انتقال نور الدين إلى الشرقية سنة 1308هـ/ 1891م وإقامته بها، فكان قارئه وكاتبه ونال عنده حظوة خاصة، وكان قرينه في جميع خطواته، ورحلاته ومخبأ أسراره ومرجع أفكاره، له الفضل في مؤازرته وشد عضده للقيام بالبيعة، وخرج من مدرسة المالكي علماء وقضاء أجلاء اعتمد عليهم في الإفتاء والقضاء وإدارة شئون المسلمين ومن أبرزهم: الشيخ سليمان بن محمد بن أحمد بن عبدالله الكندي، والشيخ محمد بن سالم بن زاهر بن بدوي بن جمعه الرقيشي، والشيخ راشد بن حمد بن جمعه الحجري، والشيخ سعيد بن أحمد بن سليمان بن عامر الكندي، والشيخ منصور بن ناصر بن محمد بن سيف الفارسي، والشيخ سعود بن عامر بن خميس بن سعود المالكي، والشيخ سعيد بن ناصر بن خميس بن محمد السيفي.وأشار المؤلف عن اخلاقه وصفاته ومكانته العلمية: تحلى الشيخ المالكي ـ رحمه الله ـ بأخلاق حسنة وصفات كريمة فمن صفاته أنه كان شجاعا صارما في المواقف، محبا لوطنه غيوراّ على دينه، ويتصف بالصراحة ولا يعرف المداجاة، يقول الحق وينطق بالصدق، وهو من العلماء الذين زان بهم الدهر، وازدهر بأمثالهم العصر، تحلوا بالإخلاص التام، ورقوا مدارج الكرام، قال عنه شيخه نورالدين عبدالله بن حميد السالمي وذلك على فراش الموت: لا أخاف عليكم من جهل وفيكم عامر بن خميس ولا من وهن وفيكم سالم بن راشد وكان خطيبا مفوها يرتجل الخطب البليغة، فكان من جهابذة العلماء الفطاحلة ومرجعا للفتوى وللأمور السياسية وللرأي والمشورة لما عرف برجاحة العقل والدهاء والحنكة، وكان محباً للعلم فمنذ نشأته إلى أن توفي لا زال مداوماً للقراءة.وتطرق المؤلف إلى رحلات الشيخ المالكي: رحل الشيخ إلى زنجبار من شرق إفريقيا لطلب الرزق، فنزل عن الشيخ راشد بن سليم الغيثي فأشار إليه القيام بالتدريس فاجتمع عنده بعض الطلبة منهم أبناء راشد ثم عاد من زنجبار لإلحاح شيخه نور الدين السالمي عليه بالرجوع، وفي شهر شعبان من م عام 1316هـ/ 1898م خرج إلى الحج بصحبة الشيخ عيسى بن صالح الحارثي عن طريق البر ورجعوا بحراً.وتناول المؤلف آثاره العلمية: ترك الشيخ المالكي ـ رحمه الله ـ آثاراً علمية عديدة تتمثل في مؤلفاته الواسعة منها:(الدر النظيم من أجوبة أبي مالك) بالمناظيم وهو عبارة عن جوابات لبعض الأسئلة التي وردت إليه من تلاميذه أو من غيرهم، و(موارد الألطاف بنظم مختصر العدل الانصاف) وهو عبارة عن أرجوزة طويلة تقع في ألف ومئتين وخمسين بيتا حيث كتب مختصر العدل والإنصاف في علم أصول الفقه لمؤلفه الشيخ الشماخي، و(غاية المطلوب في الأثر المنسوب) مجلد ضخم في العبادات والمعاملات، و(غاية المرام في العبادات والمعاملات) أرجوزة في العبادات والمعاملات وتقع في أربعة أجزاء تفوق على ثمانية وعشرين ألف بيت، و(غاية التحقيق في أحكام الانتصار والتغريق)، و(منظومة في الدماء والأروش)، و(الجوابات النثرية مجموعة من الأجوبة على الأسئلة التي ترد إليه، خاصة عندما كان في نزوى.وأشار المؤلف عن وفاة الشيخ المالكي وقال: توفي الشيخ ـ رحمه الله ـ في الربع الأخير من الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارك في عام 1346هـ، الموافق 1928م وله من العمر ستاً وستين سنة وذلك ببيت البستان من عقر نزوى ودفن في مقبرة على جهة الغرب من الولاية وهو حينئذ قاض للإمام الخليلي.