زينب الكبرى (رضي الله عنها)

اليوم حديثنا مع ثالث بنات الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. إنها السيدة الجليلة زينب ـ رضي الله عنها ـ وهي كبرى بنات الرسول (صلى الله عليه وسلم) والأولى من بين أربع بنات هن:(زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ـ رضي الله عنهن) وهي ثمرة الزواج السعيد الذي جمع بين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) ورسول الله (صلى الله عليه وسلم). ولدت زينب ـ رضي الله عنها ـ في السنة الثلاثين من مولد سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) أي: أنه كان يبلغ من العمر ثلاثين عاماً عندما أصبح أباً لزينب التي أحبها كثيراً وكانت فرحته لا توصف برؤيتها، أما السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ فقد كانت السعادة والفرحة تغمرانها عندما ترى البشر على وجه زوجها وهو يداعب ابنته الأولى.
واعتاد أهل مكة العرب عامة والأشراف منهم خاصة على إرسال صغارهم الرضّع بيد مرضعات من البادية يعتنين بهم وبعدما يقارب من السنتين يعيدوهم إلى ذويهم، بعد أن عادت زينب ـ رضي الله عنها ـ إلى حضن أمها خديجة عهدت بها إلى مربية تساعدها على رعايتها والسهر على راحة ابنتها، وترعرعت زينب في كنف والدها حتى شبت على مكارم الأخلاق والآداب والخصال فكانت تلك الفتاة البالغة الطاهرة.
ولو تامانا معاً زواج السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ لقلنا: إن هالة بنت خويلد أخت خديجة ـ رضي الله عنها ـ زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كانت تقبل على أختها بين الحين والآخر، فقد كانتا قريبتين من بعضهما، وكانت هالة تعتبر السيدة خديجة أمّاً وأختاً لها وكم حلمت بأن تكون زينب بنت أختها ـ رضي الله عنها ـ زوجة لابنها أبي العاص، من ذلك نجد أن هالة أحسنت الاختيار فهي زينب بنت محمد (صلى الله عليه وسلم) أحد أشراف قريش ومكانته كانت عظيمة بينهم وأمها ذات المنزلة الرفيعة والأخلاق الكريمة أيضاً، أما زينب فلم تكن بحاجة إلى تعريف, فأخلاقها كانت من أهم ما جذب خالتها لها، وكان أبو العاص قد تعرف إلى زينب من خلال الزيارات التي كان يقوم بها لخالته ـ رضي الله عنها ـ ومن هناك عرف عن طباع ابنة خالته زينب وأخلاقها فزاد من ترداده على بيت خالته، وفي أحد الأيام فاتحت هالة أختها بنوايا ابنها الذي اختار زينب بنت محمد (صلى الله عليه وسلم) ذو المكانة العظيمة في قريش لتكون شريكة حياته وزوجة له، فسَّرت بهذا الخبر السيدة خديجة (رضي الله عنها) وهي ترى ابنتها وقد كبرت وأصبحت في سن الزواج، فأي أم لا تحلم بزواج ابنتها وخاصة إذا كانت هي بكرها.
وقد أخبرت السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ الرسول (صلى الله عليه وسلم) بنوايا ابن أختها أبي العاص ورغبته في التقدم لخطبة ابنته زينب ـ رضي الله عنها ـ فما كان من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أن يرحب به ليكون زوجاً لابنته بعد موافقتها طبعاً وكان ذلك لأن أبا العاص يلتقي نسبه من جهة الأب مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عند الجد الثالث عبدالمناف بالإضافة إلى ذلك فإن أبا العاص على الرغم من صغر سنه فقد عرف بالخصال الكريمة والأفعال النبيلة، وعندما ذهب أبوالعاص إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ليخطب ابنته، قال عنه الرسول (صلى الله عليه وسلم): إنه نعم الصهر الكفء، هذا يعني أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) لم يجد به عيباً، وطلب من الخاطب الانتظار، حتى يرى رأي ابنته في ذلك ولم يشأ الموافقة على أبي العاص قبل موافقة ابنته زينب عليه، وهذا موقف من المواقف التي دلت على حرص الرسول (صلى الله عليه وسلم) على المشاورة ورغبته في معرفة رأي ابنته في هذا الموقف، وما كان من زينب ـ رضي الله عنها ـ إلا أن تسكت إعلاناً منها قبول ابن خالتها أبا العاص ليكون زوجاً لها تسهر على رعايته وراحته، وتشاركه فرحه وحزنه وتوفر له أسباب السعادة.
وعاشت زينب حياة سعيدة في كنف زوجها وكانت خير الزوجة الصالحة الكريمة لأبي العاص، وكان هو خير الزوج الفاضل الذي أحاطها بالحب والأمان، وشاء الله تعالى أن يكون ثمرة هذا الزواج السعيد طفلين أنجبتهما زينب ـ رضي الله عنها ـ الأول علي بن أبي العاص الذي توفي صبياً وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أردفه وراءه يوم الفتح، والثانية أمامة بنت أبي العاص التي تزوجها علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ بعد وفاة فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ وقد كان أبو العاص يعمل بالتجارة فيضطر في بعض الأحيان للسفر إلى بلاد الشام تاركا زوجته عند أمه هالة بنت خويلد.
وفي يوم نزول الوحي على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) كان أبو العاص في سفر تجارة، فخرجت السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ إلى بيت والدها تطمئن على أحوالهم فإذا بها ترى أمها خديجة في حال غريب بعد عودتها من عند ورقة بن نوفل، سألت زينب أمها عن سبب هذا الانشغال فلم تجبها إلى أن اجتمعت خديجة ـ رضي الله عنها ـ ببناتها الأربع (زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ـ رضي الله عنهن) وأخبرتهن بنزول الوحي على والدهن (صلى الله عليه وسلم) وبالرسالة التي يحملها للناس كافة، ولم يكن غريباً أن تؤمن البنات الأربع برسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) فهو أبوهن والصادق الأمين قبل كل شيء، فأسلمن دون تردد وشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وقررن الوقوف إلى جانبه ومساندته، وهذا أقل ما يمكن فعله، وعندما عاد أبو العاص من سفره، وكان قد سمع من المشركين بأمر الدين الجديد الذي يدعو إليه محمد (صلى الله عليه وسلم) دخل على زوجته فأخبرها بكل ما سمعه، وأخذ يردد أقوال المشركين في الرسول (صلى الله عليه وسلم) ودينه، في تلك اللحظة وقفت السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ موقف الصمود وأخبرت زوجها بأنها أسلمت وآمنت بكل ما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) ودعته إلى الإسلام فلم ينطق بشيء وخرج من بيته تاركاً السيدة زينب بذهولها لموقفه غير المتوقع، وعندما عاد أبو العاص إلى بيته وجد زوجته ـ رضي الله عنها ـ جالسة بانتظاره فإذا به يخبرها بأن والدها محمد (صلى الله عليه وسلم) دعاه إلى الإسلام وترك عبادة الأصنام ودين أجداده، فرحت زينب ظنّاً منها أن زوجها قد أسلم، لكنه لم يكمل ولم يبشرها بإسلامه كما ظنت فعاد الحزن ليغطي ملامح وجهها الطاهر من جديد، وبالرغم من عدم إسلام أبي العاص ألا أنه أحب محمداً (صلى الله عليه وسلم) حبّاً شديداً، ولم يشك في صدقه لحظة واحدة، وكان مما قال لزوجته السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ في أحد الأيام عندما دعته إلى الإسلام :والله ما أبوك عندي بمتهم، وليس أحب إلي من أن أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد، ولكني أكره لك أن يقال: إن زوجك خذل قومه وكفر بآبائه إرضاء لامرأته، ومن هذه المواقف نجد أن السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ على الرغم من عدم إسلام زوجها فقد بقيت معه تدعوه إلى الإسلام، وتقنعه بأن ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو من عندالله وليس هناك أحق من هذا الدين لاعتناقه، ومن ذلك نجد أيضا أن أبا العاص لم يجبر زوجته على تكذيب والدها (صلى الله عليه وسلم) أو الرجوع إلى دين آبائه وعبادة الأصنام وحتى وإن أجبرها فلم تكن هي، لتكذب أباها إرضاء لزوجها، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
اما عن قصة وفاة هذه السيدة الجليلة زينب ـ رضي الله عنها ـ فإنه بعدما شهدت مواقف كثيرة في حياتها وبعد أن عاشت حياة كريمة سعيدة مع زوجها في دار الإسلام مع ولديها (أمامة وعلي)، بدأ المرض يزداد على السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ وظلت لازمة الفراش فترة طويلة من أثر ما تعرضت له من قبل هبار بن الأسود حينما طعنها بالرمح فأسقطت جنينها وهي في طريقها إلى يثرب للهجرة، ولم تستطع الأدوية أن تخفف من مرض زينب فسلمت أمرها لله سبحانه وتعالى، وفي العام الثامن للهجرة توفيت السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ وحزن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حزناً عظيماً، وحزن معه زوجها أبو العاص الذي وافته المنية بعد 4 سنوات من وفاة زينب.
ولما ماتت زينب بنت الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: اغسلنها وتراً، ثلاثاً أو خمساً، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا غسلتنها، فأعلمنني فلما غسلناها أعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه، وبعد وفاتها موّل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قبرها، وهو مهموم ومحزون، فلما خرج سري عنه وقال: كنت ذكرى زينب وضعفها، فسألت الله تعالى أن يخفف عنها ضيق القبر وغمه، ففعل وهون عليها.

أم سارة المحاربية