[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
تجاهلت الكثير من وسائل الإعلام بعد التاسع من نيسان ـ أبريل 2003 حجم الدمار الذي خلّفه القصف العنيف والهائل، وسايرت وسائل الإعلام التوجه الأميركي والتزمت بتوجيهات القوات المحتلة في العراق.
أما خطة القصف فقد انقسمت إلى مرحلتين، المرحلة الأولى، والتي استمرت خلال الأسبوع الأول، فركزت على قصف وتدمير مراكز القيادة والتوجيه، وتم ضرب المطارات والقواعد الجوية، والمواقع التي يعتقد باحتوائها على أسلحة وطائرات، وشمل ذلك جميع مدارج إقلاع وهبوط الطائرات في جميع المطارات العسكرية، وطال القصف مراكز الاتصالات وتم تدميرها بصورة كاملة وشاملة، وقد تم قصف المفاصل المهمة في قطاع المواصلات.
أما المرحلة الثانية، فكانت تسير باتجاهين متناسقين، أولهما استمرار القصف الانتقائي الذي أشرنا إليه، أما الاتجاه الثاني، فقد بدأ ينفذ القصف بطريقة (السجادة)، وهذه الخطة سبق أن أعلنت الإدارة الأميركية، بلسان كبار المسؤولين في البنتاجون، أنها ستتبعها في حربها ضد العراق، ولكن (القصف بطريقة السجادة) كان من حصة الحرس الجمهوري والحرس الخاص، وأينما وجد مقر لفدائيي صدام، والمقرات الرئيسية لقيادات حزب البعث.
وحسب ما قال أكثر من ضابط في قوات الحرس الجمهوري، والعديد من الجنود في قيادة قوات بغداد وقيادة قوات المدينة المنورة، وهما من أبرز قوات الحرس الجمهوري، فإن القصف الذي كان ينهال عليهم في كل دقيقة لا مثيل له. وأوضح آمر كتيبة مدفعية في قوات المدينة المنورة أن الأوامر قد صدرت في منتصف الأسبوع الثاني من الحرب، أي أواخر مارس، بالاستعداد لاستخدام المدافع الخاصة بقوات الحرس الجمهوري. ويقول: إن خمسين مدفعا كانت بإمرته، وكانت المهمة المكلفة بها وحدته (كتيبة المدفعية) هي تحديد أماكن انتشار القوات الأميركية في المناطق القريبة من بغداد، وتحديدا في المناطق الواقعة إلى جنوب العاصمة (المحمودية واليوسفية) واستخدام المدفعية في دكها وإلحاق أكبر الخسائر بها عند اقترابها المتوقع من بغداد. يوضح آلية القصف بقوله: إن المنطقة تمت دراستها بعناية فائقة قبل الحرب، ولمعرفتنا بضعف أو انعدام الاستطلاع البشري والجوي في حال وصول القوات الأميركية، فقد وضعنا جميع "الإحداثيات"، كما درسنا جميع الاختيارات، ومن أهمها الطرق التي ستسلكها دبابات ودروع القوات الأميركية، والأماكن التي ستتخذها للاختباء. ولم يغب عن بال القادة العسكريين احتمال التمويه في استخدام الطرق التي يسلكونها، والأماكن التي يتمركزون بها واستنادا إلى هذه الرؤية العسكرية، انصبت التوجيهات على تنفيذ الخطة الرئيسية في قصف العدو وتدميره، بعد أن يصل إلى تلك المواقع، والتي تعتبر الأسوار الرئيسية لبغداد، مع اتباع أسلوب القصف العشوائي لجميع الأماكن، لمعالجة الاحتمال الثاني الذي يرى أن الأميركيين درسوا المنطقة بدقة، ولا بد أنهم وضعوا خططا للتمويه، ودفع قطعاتهم بمسالك غير متوقعة، واختيار أماكن للتجمع بعيدة عن تصور قادة الجيش العراقي، يقول الضابط العراقي من الحرس الجمهوري: درسنا جميع الاحتمالات التي تمكننا من وضع القوات الأميركية تحت مطرقة المدافع العراقية، واشتملت الخطة التي وضعت أسلوب القصف عن بعد والمناورة بالمكان، أي استخدام الليل وبدء القصف تحت جنحه، وتوجيه أكبر عدد ممكن من القذائف، ثم تحريك المدافع إلى مناطق أخرى، لكي نتجنب قصفها من قبل الطائرات الأميركية، وكنا نعرف أن سيادة الجو كانت مطلقة للقوات الأميركية.
يضيف الضابط العراقي من قوات الحرس الجمهوري: إن الذي لم يكن بحساباتنا أننا أخرجنا خمسة مدافع لتجهيزها ضمن استعداداتنا لمجابهة القوات الأميركية لإلحاق أكبر الخسائر بها. ويؤكد أنه لا يبالغ بما يقول، فبعد ساعة من شروق الشمس في ذلك اليوم، فوجئ ضباط وجنود الكتيبة بسيل من الصواريخ الأميركية التي استهدفت المدافع التي أخرجناها من مخابئها لتجهيزها، ولم تكن ظاهرة ومكشوفة، لكنها خرجت للمرة الأولى من مخابئها، التي جهزناها لها قبل بدء الحرب.
يؤكد الضابط العراقي أن جميع المدافع التي أخرجناها تم تدميرها خلال أقل من عشرين دقيقة.