أخي القارئ الكريم .. أختي القارئة الكريمة: من أهداف هذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به أنه يربط المؤمن ربطاً وثيقاً بمحيطه المادي المعيش وبيئته الاجتماعية ويحفزه على بناء علاقاته مع ربه ومع الآخرين ويحسن صلاته بغيره من المخلوقات التي حوله.
ففي هذه السلسلة من المقالات سنتطرق إلى أهم دوائر العلاقات التي تربط المؤمن بربه أولاً ثم بالآخرين وتشده نحوهم وتحمله اتجاههم مسؤوليات وواجبات لا بد من قيامه بها على الطبيعية من حوله:
فعلاقة المؤمن مع ربه تتطلب من أن يكون مؤمناً بالله حق الإيمان مذعناً له حق الإذعان كيف لا وهو الذي أوجده من العدم وأسبغ عليه من واسع الكرم وبسط له نعمه الظاهرة والباطنة، (وما بِكُم من نِعمة ٍفمِنَ الله) وسخر له ما في الكون من ذراته إلى مجراته لخدمته (وسخَّرَ لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه) (وسخَّرَ لكم الشمسَ والقمرَ دائبين وسخَّرَ لكم الليلَ والنهار).
فهو يحس بعظمة هذا الخالق العظيم ويستشعر وجوده جل شأنه في كل ما حوله من الموجودات وما بثه في هذا الكون المترامي الأطراف من مخلوقات والقرآن الكريم يلفت نظرنا إلى ذلك حيث يقول:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) ويقول أيضاً:(أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ)، ويقول:(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)، وقد حثنا النبي (صلى الله عليه وسلم) على التفكر الواعي في المخلوقات فقال:(تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنه لا يدرك إلا بتصديقه).
وهذا بدوره يقود المؤمن إلى الإذعان الكامل والخضوع المطلق والانقياد التام والاستسلام لأمر الله ورسوله وهو دليل رسوخ الايمان في نفس هذا المؤمن قال تعالى:(فلا وربُّكَ لا يؤمنون حتى يُحكّموكَ فِيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسِهم حرجاً مما قضيتَ ويُسلِّموا تسليماً) وقال سبحانه:(وما كانَ لمؤمنِ ولا مؤمنةِ إذا قضى الله ورسوله أمراً ان يكون لهم الخِيَرةُ من أمرهم ومن يعصِ اللهَ ورسولَه فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً)، وبهذا الإيمان الراسخ يعيش المؤمن هادئ النفس مطمئن البال مستريح الضمير فهو يعلم أنه لا يتحرك متحرك في هذا الوجود ولا يسكن ساكن إلا بأمره سبحانه (ما أصابَ من مُصيبةٍ في الأرضِ ولا في السماءِ الا في كِتابٍ من قبلِ أن نَبرأها) فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت خلف النبي (صلى الله عليه وسلم) أو رديفه فقال:(يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده اتجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئٍ لن ينفعوك إلا بشئٍ قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشئٍ لن يضروك إلا بشئٍ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فهو يرضى بحلو القضاء ومره لأنه يعلم أنه يؤجر على كلا الحالين، قال (صلى الله عليه وسلم):(عجباً لأمر المؤمن كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
وقد يضعف المؤمن أمام نفسه فيسقط في حمأة الذنب ويتدنس بوحل الخطيئة لكنه سرعان ما يعود ويرجع إلى ربه (إن الذينَ اتّقَوا إذا مسَّهم طائفٌ من الشيطانِ تذكّروا فإذا هم مُبصرون).
فهذا شأن المؤمن مع ربه إيمان صادق عميق وعمل صالح مستمر وتطلع دائم إلى رضوانه يؤكد عبوديته له ويحقق الهدف من وجوده في هذه الحياة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

محمد بن سعيد آل ثاني