مسقط ـ العمانية:
تعتبر مسقط واحدة من أقدم المدن في السلطنة، حيث يعود تاريخها إلى ما قبل ظهور الإسلام بعدة قرون وتحتوي على مزيج تاريخي مذهل من مبان وقصور ومتاحف وهي عاصمة السلطنة وعصبها الرئيسي، حيث يقع فيها مركز الجهاز الإداري للدولة، كما تمثل مركزا رئيسيا حيويا للنشاط الاقتصادي والسياحي والتجاري سواء على المستوى المحلي أو في علاقات السلطنة مع الدول الأخرى. وتقع محافظة مسقط على بحر عمان في الجزء الجنوبي من ساحل محافظة جنوب الباطنة وتتصل من الشرق بجبال الحجر الشرقي ومحافظة شمال الشرقية ومن الغرب محافظة جنوب الباطنة ومن الجنوب بمحافظة الداخلية.
يقول الدكتور صالح بن عامر بن حارث الخروصي الباحث في التاريخ العماني إن اللغويين العرب يذكرون أن اشتقاق لفظ (مسقط) من الفعل الثلاثي سقط بمعنى وقع، ويقال (سقطت) لأنها وقعت في منطقة محاطة بالجبال، وتكتب بعض المصادر العمانية مسقط مسكد وأحيانا قليلة مسكت وهو اللفظ الذي استخدمه الملاح العماني الشهير أحمد بن ماجد الذي قال عنها إنها بندر عمان المشهور.
وتعد مسقط واحدة من أقدم المدن في الشرق الأوسط فقد عثرت فرق التنقيب الأثرية في رأس الحمراء وسيح حطاط وبوشر على مواد أثرية تعود إلى فترة تتراوح بين 3 و 5 آلاف سنة قبل الميلاد. وقد أشار الرحالة والجغرافيون العرب من أمثال الإدريسي والاصطخري وابن حوقل والمسعودي وابن بطوطة وغيرهم إلى مسقط في العصور الإسلامية المبكرة باعتبارها ميناء له أهميته في عمان وتأثيره في العلاقات التجارية الخارجية.
وأضاف الخروصي ان أهمية مسقط زادت عند احتلال البرتغاليين لها في عام 1507لما تمثله من أهمية استراتيجية وموقع جغرافي أتاح لها السيطرة على مدخل الخليج، وقد حرص البرتغاليون على تقوية الميناء وتعزيزه ببناء قلعتين هما الجلالي (996هـ/ 1587) والميراني (997هـ/1588) وهما مازالتا قائمتين حتى اليوم وشهدتا إضافات متعاقبة. وقد واجه البرتغاليون مقاومة شرسة أثناء قدومهم ولكن لم يستطيعوا رد تلك الهجمة الخطيرة لعدم تكافؤ الطرفين في السلاح، ولتشتت وتبعثر القبائل العمانية آنذاك، وقد شهدت مسقط عند بداية استيلاء البرتغاليين عليها حركة نزوح كبيرة من الأهالي باتجاه المناطق الداخلية هربا من بطش الغزاة ثم بدأوا يعودون إليها تباعا. ورغم المحاولات الحثيثة التي بذلتها الدولة العثمانية والدولة الفارسية والقوى المحلية العربية للتصدي للهيمنة البرتغالية إلا أن تلك المحاولات لم يكتب لها الوصول إلى نتائج حاسمة إلا بعد التفاف العمانيين على أسرة اليعاربة التي قامت باستكمال العمل المسلح ضد الغزاة وتمكنت في عام 1649 من طردهم نهائيا من عمان ثم قامت بمطاردتهم في الخليج العربي والهند وشرق إفريقيا طيلة النصف الثاني من القرن السابع عشر.وعن حيثيات نقل العاصمة إلى مسقط في عهد السيد حمد بن سعيد البوسعيدي قال الخروصي تولى السيد حمد زمام الأمور في عهد والده، وكان لديه تصور حول الاستفادة من موقع مسقط ومكانتها كميناء تجاري بارز، فعمل على وضعها تحت إشرافه المباشر. وكانت من الدواعي لاختيار السيد حمد مسقط مقرا للحكم أنه لم يكن من المناسب أن يستقر في الرستاق (مكان حكم أبيه) تلافيا لأي اختلافات في وجهات النظر التي قد تحدث بينهما. وكذلك لرغبته في الخروج من دائرة ضغط القبائل العمانية المتمركزة في المنطقة الداخلية من عمان والتي تنشغل بين الحين والآخر بصراعاتها القبلية. اضافة الى كون مسقط ميناء تجاريا مزدهرا يوفر عوائد مالية لا غنى وهي تمثل الانفتاح على البحر والانفتاح على العالم الخارجي.
واشار الخروصي الى انه كانت لدى السيد حمد رغبة واضحة في تعزيز موقع عمان على الساحة الإقليمية، وعدم اتباع سياسة العزلة التي مال إليها والده.
وقال كان مركز الثقل في عمان ـ التي اشتهرت بخبرة ملاحية بحرية وتجارية مند القدم ـ يتمثل في الموانئ عامة وفي مسقط بصفة خاصة آنذاك، ولذا وجدنا السيد حمد البوسعيدي يبادر إلى تحسين قدرات بلاده العسكرية ببناء القلاع والسفن، ويسارع إلى استرجاع السلطة على الساحل الشمالي المطل على الخليج العربي. وبعد وفاة السيد حمد في عام 1792سعى السيد سلطان لترسيخ نفوذه واتخذ مسقط مركزا لحكمه، وبعد أن استقر الوضع الداخلي لمصلحته وجه اهتمامه للأسطول الذي تألف في عهده من 15سفينة كبيرة. وحول الجوانب الاقتصادية والتجارية في تاريخ مسقط أشار الدكتور الخروصي الى ان التجارة احتلت مكانة خاصة في سياسة الامام أحمد فقد عرف عنه ممارسته التجارة في شبابه. وفي عهده ازدهرت التجارة في عـُمان وقد وصفها الباحث بارسونز في 1775 بأنها مدينة تجارية مهمة جدا وفيها عدد كبير من المراكب تتاجر مع سورات وبومباي وكوا ومخا وجدة. بالإضافة إلى حياة الأمن والاستقرار التي وصفها شهود عيان زاروا المنطقة من بينهم كارستين نيبور الذي زار مسقط عام 1765ذكر أنه نادرا ماكان يسمع عن السرقة. وقد بلغ إجمالي إيراد مسقط من الرسوم الجمركية في عام 1765 مليون روبيه. وعندما تولى السيد حمد أمور الدولة (89 – 1792)عمل بجد على تنشيط التجارة عبر ميناء مسقط وتركزت سياسته التجارية على التحكم بالوضع السياسي والتجاري في الخليج وتأمين السيطرة على رحلات السفن عبر مضيق هرمز وفرض ضريبة على كل السفن التي كانت تمر على ميناء مسقط سواء القادمة من البصرة أو الهند والصين وشرق إفريقيا، وقد تطلبت تلك السياسة من السيد حمد زيادة أعداد السفن التجارية وتخفيض الضرائب الجمركية وتوسيع العلاقات التجارية مع السند وأفغانستان كما بدأت سفن مسقط بنقل حجاج أفغانستان وبلدان آسيا الوسطى من وإلى الحجاز لأداء فريضة الحج .كما قام التجار العمانيون أيضا بنقل البضائع من مسقط إلى الموانئ الهندية جنوب القارة الآسيوية ووصلوا إلى بومباي وساحل مالاباروكلكتا والموانىء الأخرى في تلك الأنحاء.
حافظ السيد سلطان في بداية عهده على المكاسب التجارية التي تحققت في عهد سلفه حمد وأضاف عليها الشيء الكثير وقد عزيت تلك الإضافات إلى عوامل متعددة منها ما يتعلق بشخصية سلطان نفسه وبالأساليب والمشاريع التجارية التي انتهجها ومنها ما يتعلق بالظروف الدولية والإقليمية التي سادت العالم والمنطقة آنذاك ومنها ما يتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي والتجاري العالمي والمحلي آنذاك. اعتمد سلطان في سياسته التجارية على أسس مشابهة لسياسة حمد ومنها امتلاك أسطول كبير من السفن مثّل شريان الحركة التجارية، حيث قام بعملية نقل البضائع من مسقط إلى موانئ المنطقة وبالعكس. وكان تجار مسقط يستأجرون كل عام عددا من السفن من موانئ الخليج العربي الأخرى لتقوم برحلات إلى موانئ متعددة. والأمر الآخر هو أن امتلاك مسقط عددا من السفن الأوروبية سمح لها بالإبحار إلى أبعد الموانئ في الهند وجنوب شرق آسيا مكنها أيضا من تأجيرها لتجار آخرين لنقل بضائعهم إلى موانىء جنوب بلاد فارس وميناء البصرة،