ـ سلطنة عمان تحتفل بأول أيام عيد الأضحى
ـ خطبة العيد تؤكد أن بناء الوطنِ يكون بالعهد والتمكين والأمان أوّل البناء وأصل التنمية
ـ لا جدال في ثوابت الوطن ولكلّ فكرة توقيتُها ولكلّ نقدٍ حدودُه وأن يحرس العقل الحروف قبل أن تخرج
نزوى ـ العُمانية: احتفلت سلطنة عُمان اليوم بأوّل أيام عيد الأضحى المبارك، وقد أدّى حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظهُ اللهُ ورعاهُ/ صلاة العيد بجامع السُّلطان قابوس بولاية نزوى بمحافظة الدّاخلية.
وقد أمَّ المُصلّين معالي الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزيرُ الأوقاف والشؤون الدينيّة الذي ألقى خطبةَ العيد واستهلّها بالتّكبير والحمد لله على نعمهِ والصّلاة والسّلام على الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
وقد أكّدت الخُطبة على أن الحجّ طهرُ القلوب، وأن بناء الوطنِ يكون بالعهد والتمكين، وأن الأمان أوّل البناء وأصل التنمية، وأن العمران يبدأ بالنّية قبل الحجَر وبالقصْد قبل الزّرع، وأن الارتباط بالأرض ليس في غناها بل في مَنْ يسكنها بولاءٍ وإيمانٍ، وأن الحياة لا تُمنح لمن ينتظر بل لمنْ يسعى، وأن بركة الأرض تبدأ حين تتحرّك النيّةُ في قلبٍ يؤمن ثم يعملُ.
كما أكّدت الخُطبة على أنّ الأوطان يبدؤها قائدٌ يُخلص في توجيه البُوصلة ثم تتبعه أجيالٌ تُؤمّن خلف دعائه، وتُقيم صلاة الولاء، وتؤدّي طواف الشّكر، وتشرب زمزم القيم، وتقف على صدق العمل، وتبيتُ على ثرى الانتماء، فيأتي الرزقُ ويستوجب الشكرَ.
وتطرّقت الخُطبة إلى نهي الله تعالى عن الْجِدَالِ، لأنه يثير الكراهية ويسبّب الفتنة بين الناس، والابتعادُ عنه وعيٌ في بناء الوطن وإحياءٌ للحكمة، فكما "لا جدال في الحج"، لا جدال في ثوابت الوطن، ولكلّ فكرة توقيتُها، ولكلّ نقدٍ حدودُه، وأن يحرس العقل الحروف قبل أن تخرج، وأن تُحفظ المقاماتُ والحرماتُ.
ولفتت إلى أنه مع الوطن وفاءٌ لا يفنى، ونماءٌ لا يغيب، وفي القلوب ميثاقُ ولاءٍ يشدّ بعضنا إلى بعض، ويصون ما بني بالعقل والعزم، ونسير معا على إخلاص القصد ووضوح الطريق، نحاور بحكمةٍ، وننقُدُ بمسؤوليةٍ، ونتقدّم بثقةٍ.
وفيما يأتي نصُّ الخُطبة:
" اللهُ أَكْبَــــــرُ.. اللهُ أَكْبَــــــرُ اللَّهُ أَكْبَرُ؛ مَا كَانَ الْحَجُّ طُهْرَ الْقُلُوبِ وَسِرَّ الْيَقِينِ. اللَّهُ أَكْبَرُ؛ مَا عَلَّمَنَا الْحَجُّ بِنَاءَ الْوَطَنِ بِالْعَهْدِ وَالتَّمْكِينِ.
اللهُ أَكْبَــــــرُ اللهُ أَكْبَــــــرُ
لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ:
أيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
أُوصِيكُمْ بِاللَّهِ وَذِكْرِهِ:﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
أَمَّا بَعْدُ؛
فِي عِيدِ الأَضْحَى يَحِقُّ لِلنُّفُوسِ أَنْ تَفْرَحَ، لِأَنَّ كُلَّ فَرَحٍ هُنَا هُوَ صَدًى لِفَرَحٍ يَتَجَدَّدُ كُلَّ عَامٍ؛ فِي نَبِيٍّ صَدَّقَ الرُّؤْيَا وَصَدَقَ الرُّؤْيَةَ وَفَدَى وَلَدَهُ بِالتَّسْلِيمِ، فَرَدَّهُ اللَّهُ أَنْقَى وَأَعْلَى وَأَبْقَى.
هُوَ النَّبِيُّ نَفْسُهُ الَّذِي دَعَا: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾، لِتُعَلِّمَهُ السَّمَاءُ أَنَّ الْأَمَانَ أَوَّلُ الْبِنَاءِ، وَأَصْلُ التَّنْمِيَةِ، وَأَصْدَقُ وُجُوهِ النُّبُوَّةِ. هُوَ إِبْرَاهِيمُ الَّذِي آمَنَ بِالْحَقِيقَةِ، وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَرَى، الَّذِي دَعَا: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾، لِيَفْهَمَ الْعَارِفُونَ أَنَّ الْعُمْرَانَ يَبْدَأُ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الْحَجَرِ، وَبِالْقَصْدِ قَبْلَ الزَّرْعِ، وَأَنَّ الِارْتِبَاطَ الْأَوَّلَ بِالْأَرْضِ لَيْسَ فِي غِنَاهَا بَلْ فِي مَنْ يَسْكُنُهَا بِوَلَاءٍ وَإِيمَانٍ.
ثُمَّ يَتَجَلَّى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾؛ تَحَوَّلَ سَعْيُ هَاجَرَ مِنْ نِدَاءِ أُمٍّ فِي وَادٍ مُقْفِرٍ إِلَى شَعِيرَةٍ تُتْلَى، وَخُطُوَاتٍ تُرْوَى، وَسِفْرٍ يَحْفَظُهُ الْحُجَّاجُ، وَيَقْرَؤُهُ الْعَارِفُونَ؛ بِأَنَّ زَمْزَمَ الْحَيَاةِ لَمْ يَنْزِلْ مِنَ السَّمَاءِ بَلْ نَبَعَ مِنْ قَدَمِ أُمٍّ صَدَقَتِ الدُّعَاءَ، وَسَعَتْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَصَلَّتْ صَلَاةَ الْيَقِينِ.
فَسَعْيُ الْأَمْسِ بَين جَبَلَيْنِ صَارَ فَرِيضَةَ الْيَوْمِ بَين الْأَجْيَالِ، وَمِنْ بَعْدِهَا رِسَالَةٌ: أَنَّ الْحَيَاةَ لَا تُـمْنَـــــحُ لِمَنْ يَنْتَظِـــــــرُ بَلْ لِمَــــــــــنْ يَسْعَى، وَأَنَّ بَــــــــــــرَكَةَ الْأَرْضِ تَبْدَأُ حِينَ تَتَحَرَّكُ النِّيَّةُ فِي قَلْبٍ يُؤْمِنُ ثُمَّ يَعْمَلُ؛ ﴿وَمَـــنْ يَأْتِـــــــهِ مُؤْمِنًــــا قَــــــدْ عَمِـــــلَ الصَّالِحَــــــاتِ فَأُولئِـــــــــكَ لَهُــــمُ الدَّرَجَــــــــاتُ الْعُلَى﴾ فَتُصْبِحُ الْقِفَارُ بِالْعَمَلِ مَهْبِطًا لِلْأَفْئِدَةِ وَمَوْطِنًا لِلثَّمَرَاتِ وَالْعُمْرَانِ: ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾؛ فَالْأَوْطَانُ؛ يَبْدَؤُهَا قَائِدٌ يُخْلِصُ فِي تَوْجِيهِ الْبُوصَلَةِ؛ ثُمَّ تَتْبَعُهُ أَجْيَالٌ تُؤَمِّنُ خَلْفَ دُعَائِهِ، وَتُقِيمُ صَلَاةَ الْوَلَاءِ، وَتُؤَدِّي طَوَافَ الشُّكْرِ، وَتَشْرَبُ زَمْزَمَ الْقِيَمِ، وَتَقِفُ عَلَى صِدْقِ الْعَمَلِ، وَتَبِيتُ عَلَى ثَرَى الْانْتِمَاءِ، فَيَأْتِي الرِّزْقُ وَيَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ: ﴿وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾.
اللهُ أَكْبَـــــــرُ اللهُ أَكْبَــــــرُ
لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِــــــدَالَ فِي الْحَــــــجِّ﴾؛
نَهَى اللَّهُ تعالى عَنِ الْجِدَالِ فِي الْحَجِّ، وَنَهَانَا عَنْهُ كُلّ حِينٍ؛ لِأَنَّ الْجِدَالَ لَا يُنْهِي خِلَافًا بَلْ يُثِيرُ كَرَاهِيَّةً، وَلَا يُقَرِّبُ النَّاسَ بَلْ يَفْتِــنُ بَيْنَهُمْ.
﴿لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ هُوَ وَعْيُنَا فِي بِنَاءِ الْوَطَنِ كَيْ لَا يَتَسَلَّلَ الْجِدَالُ إِلَيْهِ، فَيَكْسِرَ هَيْبَتَهُ وَيُطْفِئَ نُورَهُ وَيُشَوِّشَ نِدَاءَهُ. فِي حُبِّ الْوَطَنِ نُـــــطْفِئُ الْجِــــــــــدَالَ بِإِحْـــيَاءِ الْحِكْمَـــــــــةِ؛ فَكَمَـــــا ﴿لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ لَا جِدَالَ فِي ثَوَابِتِ الْوَطَنِ، وَلِكُلِّ فِكْرَةٍ تَوْقِيتُهَا، وَلِكُلِّ نَقْدٍ حُدُودُهُ، وَأَنْ يَحْرسَ الْعَقْلُ الْحُرُوفَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ، وَأَنْ تُحْفَظَ الْمَقَامَاتُ وَالْحُرُمَاتُ.
مَعَ الوَطَنِ وَفَاءٌ لَا يَفْنَى، ونَمَاءٌ لَا يَغِيبُ، وَفِي القُلُوبِ مِيثَاقُ وَلَاءٍ يَشُدُّ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَيَصُونُ مَا بُنِيَ بِالعَقْلِ وَالْعَزْمِ. نَسِيرُ مَعًا عَلَى إِخْلَاصِ القَصْدِ وَوُضُوحِ الطَّرِيقِ، نُحَاوِرُ بِحِكْمَةٍ، وَنَنْقُدُ بِمَسْؤُولِيَّةٍ، ونتقدّم بِثِقَةٍ ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾.
اللهُ أَكْبَـــــــرُ اللهُ أَكْبَــــــرُ
لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ
﴿إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَعْمَالَنَا صَاعِدَةً فِي مِيزَانِ الْقَبُولِ، وَأَعْمَارَنَا مُمتَدَّةً فِي خِدْمَةِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ، وَاجْعَلْ لَنَا فِي كُلِّ قَرَارٍ بَصِيرَةً، وَفِي كُلِّ طَرِيقٍ عَفْوًا وَتَيْسِيرًا.
اللَّهُمَّ احْفَظْ عُمَانَ بِعِزِّكَ، وَأَلْهِمْ أَهْلَهَا حِكْمَةَ الْعُمْرَانِ، وَزَيِّنْهُمْ بِثَبَاتِ الْوَلَاءِ.
اللَّهُمَّ أَيِّدْ سُلْطَانَنَا هَيْثَمَ بِنُورٍ مِنْ حِكْمَتِكَ، وأحِطْهُ بِسِيَاجٍ مِنْ عِنَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي عُمرِهِ وَعَافِيَتِهِ، وَاكْتُبْ لَهُ مِنِ اسْمِكَ الْحَفِيظِ عَهْدًا مِنْ حِفْظِكَ، وَمِنِ اسْمِكَ اللَّطِيفِ مَدَدًا مِنْ لُطْفِكَ، وَمِنِ اسْمِكَ الْوَلِيِّ رِعَايَةً مِّنْ لَدُنْكَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قُلُوبِ شَعْبِهِ صَفَاءً وَمَوَدَّةً، وَاجْعَلِ الْبَرَكَةَ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَعْمَارِهِمْ، وَأَدِمْ فِيهِمُ الْعَزْمَ وَالثَّبَاتَ.
اللَّهُمَّ يَا مَنْ بِيَدِهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ: كُنْ لِلْمَظْلُومِينَ فِي فِلَسْطِين وَغَيْرِهَا نَصْرًا يَلِيقُ بِجَلَالِ عَدْلِكَ، وَطَهِّرْ أَرْضَهُمْ، وَاجْعَلْ دُعَاءَهُمْ وَصَبْرَهُمْ طَرِيقًا إِلَى وَعْدٍ لَا يُخْلَفُ.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا رَحِيمُ ارْحَمْ مَنْ مَضَى إِلَيْكَ، وَأَكْرِمْ مَنْ بَقِيَ بِلُطْفِكَ: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾".
وبعد الانتهاء من الصّلاة تقبَّل حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظّم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ التّهانيَ والتّبريكات بهذه المناسبة المباركة من عددٍ من أصحاب السُّمو والمعالي الوزراء والمستشارين والقادة العسكريين، وعددٍ من المسؤولين وجمعٍ من المواطنين، متمنّيًا جلالتُه لهم عيدًا طيّبًا مباركًا، شاكرًا ومقدّرًا لهم تهانيهم وتبريكاتهم ودعواتهم الطيّبة الصّادقة.
ولدى خروجِ جلالةِ عاهل البلاد المُفدّى من الجامع، أطلقت المدفعيّة إحدى وعشرين طلقةً تحيّةً لجلالتِه ـ أيّدهُ اللهُ وسدّد خُطاهُ.
بعد ذلك غادر الموكبُ السّامي لجلالةِ السُّلطان المعظّم في حفظِ اللهِ ورعايتهِ. أدّى الصّلاةَ بمعيّةِ جلالةِ السُّلطان المعظّم عددٌ من أصحاب السُّمو أفراد الأسرة المالكة الكريمة وجناب السّادة البوسعيد، والسّادة البوسعيد، وأصحاب المعالي الوزراء والمستشارين، وقادة قوات السُّلطان المسلّحة وشرطة عُمان السُّلطانية والأجهزة الأمنيّة الأخرى، وأعضاء مجلسي الدّولة والشّورى من محافظة الدّاخلية، وأصحاب السّعادة الوكلاء والولاة، وجمع من الشّيوخ والأعيان والمواطنين.




