"السلطانة جومبيه فاطمة ابنة السلطان (رامنتاكا) ملجاشي الأصل من مدغشقر، هرب من بلاده بسبب صراعات على السلطة هناك، واستولى عنوة على الحكم في جزيرة موهيلي القمرية الوادعة في عام 1832م، وتسمى باسم عبدالرحمن، وأعلن إسلامه، وتحالف بعدها مع السلطان سعيد بن سلطان، سلطان عمان وزنجبار، وأوصى قبل وفاته أن تخلفه ابنته فاطمة في حكم موهيلي، التي وصفها معاصروها بـ"حالة مرضية متقلبة المزاج" والتي تنافست على كسب ودها وخطبة يدها أطراف دولية وإقليمية ومحلية تنافسا محموما".
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/11/yousef.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]يوسف الحبسي[/author]

كانت بدايات تحركات بريطانيا في جزيرة موهيلي مع توقيع الأولى اتفاقية مع السلطانة فاطمة في 16 سبتمبر 1854م ومن الجانب الإنجليز وليم صنلي القنصل البريطاني في أنجوان، وهنري كيري آمر السفينة ميربيدا، وتهدف الاتفاقية إلى وضع حد لتجارة الرقيق، وقد بقيت هذه الاتفاقية حبرا على ورق، ثم سعى القنصل لفتح مكتب تمثيل في "فومبوني" يكون تابعا للقنصلية في أنجوان، ورغم أن هذا المشروع لم يرَ النور، إلا أن المشروع المشترك البريطاني الأنجواني الهادف إلى إبعاد سعيد بن محمد البوسعيدي قد انضمت فرنسا إلى ذات المشروع هو الذي ستحقق على الأرض، ففي بداية عام 1859م قام الوجهاء يتقدمهم الوزيران تسيفاندين وعبدالله بن مسلم، وبتأثير وإيعاز من القنصل البريطاني وليم صنلي بمطالبة بترحيل الأمير زوج السلطانة.
يبدو أن السلطانة لم ترحب بهذا المطلب، ولم يكن من السهل لديها الانفصال من زوج اختاره لها هؤلاء الوجهاء أنفسهم، وحملوها حملا على قبوله قبل عدة سنوات.
في خضم الصراع الدائر بين السيد ماجد بن سعيد وأخيه السيد ثويني بن سعيد حاكم عمان، إثر وفاة والدهما السيد سعيد بن سلطان، سلطان عمان وزنجبار، وقبل صدور قرار تقسيم الامبراطورية العمانية من قبل الإنجليز إلى قسمين: مسقط لثويني، وزنجبار لماجد، سمع هذا الأخير أن أخاه أخذ يعد جيشا لمهاجمته والسيطرة على زنجبار لرفضه الخضوع لحكمه، فوجه نداءً إلى الدول التابعة للحكم البوسعيدي في المنطقة لأجل التعبئة والجاهزية، وكانت موهيلي من الدول التابعة يومها لزنجبار والتي تدور في فلك الامبراطورية العمانية، وبالتالي لبت نداء السيد ماجد وأرسلت كتيبة عسكرية قوامها 300 مقاتل بقيادة سعيد بن محمد على متن سفينة للسلطان ماجد تسمى "لارتيمز" إلا أن هذه الوحدة لم تشترك في مهمة قتالية ـ على ما يبدو ـ لأن بريطانيا ممثلة في حكومة الهند، التي قامت بوساطة الصلح بين الأخوين ثويتي وماجد، حالت دون وصول السيد ثويني إلى زنجبار.
إن تلبية السلطانة فاطمة لنداء سلطان زنجبار السيد ماجد، حملت دلالات عميقة وبلورت مدى تبعية الجزيرة لزنجبار، والنفوذ الذي كان يتمتع به السلطان البوسعيدي فيها، وقد ساعد على تعزيزه وتثبيته وجود السلطانة فاطمة في عصمة الأمير سعيد بن محمد البوسعيدي، الذي أضحى كأنه السلطان الحقيقي لجزيرة موهيلي.
استطاع الأمير سعيد بن محمد البوسعيدي أن يعود إلى الجزيرة، بعدما انتابته حالة من تردد، ولكن إقامته هذه لم تستمر أكثر من ستة أشهر، حيث رأى إبعاده من جديد عام 1860م فلجأ إلى جزيرة القمر الكبرى تاركا زوجته السلطانة حاملا، وحاول هذا الزوج المنفي في هذه الأثناء الحصول على دعم من السيد ماجد، يمكنه من العودة إلى "فومبوني" واللحاق بزوجته، والسلطانة فاطمة ـ من جانبها ـ وهي حامل، شغوفة جدا بزوجها، وتتلهف لرؤيته بجانبها لم تجد غضاضة من أن تلتمس من الفرنسيين مساعدتهم لها، وذلك أن ينقل زوجها إلى الجزيرة ويعاد له اعتباره ـ بالقوة ـ من قبل سفينة فرنسية تابعة للمحطة البحرية، بيد أن الوجهاء وحاشية السلطانة أبلغوا القنصل البريطاني "صنلي" عن تخوفاتهم حيال هذا الموضوع، وشاطرهم فيها.
وفي هذا الوقت استطاع تسيفاندين استعادة موقعه ونفوذه في المشهد السياسي في الجزيرة، وأصبحت السلطانة ألعوبة في يده، بل وفي يد غيره من حاشيتها، لا حول لها ولا طول، وعند ذلك طلب القنصل البريطاني من تسيفاندين العمل على انتزاع طلاق السلطانة من زوجها الأمير، معربا عن أمله في أن يتم تزويجها بشاب "ملغاشي" الأصل، تربى لدى المبشرين الإنجليز في موريشيوس، غير أن مشروع الزواج هذا لم يرَ النور....