أيها الصائمون القائمون:
إن ما شرعه الله تعالى لعبادة من العبادات إنما ذلك لحكمةٍ تامةٍ
بالغةٍ ، فالله الحكيم العليم في خلقه وشرعه وجزائه ، ومن تلك العبادات الصيام فله حكمةٌ كبيرةٌ منها:
1ـ إن الصيام عبادةٌ لله تعالى ، فيتقرب العبد إلى ربه بترك محبوبات نفسه ومشتهياتها من
الطعام والشراب والنكاح ، ويظهر بذلك صدق إيمان العبد ، وكمال عبوديته لربه ، ومحبته له ، ورجائه ثواب الله ؛ لان العبد لا يترك ما يحبه إلّا لما هو أعظم عنده منه ، فكن - أيها المسلم - ممن صام راغباً فيما عند الله ، مُتذللا له بهذه العبادة.
2ـ من حكم الصيام : أن يحقق العبد تقوى الله ،كما قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [ البقرة : 183 ]. وهذا إنما هو الصيام الشرعي الذي حافظ صاحبه عليه من
المفطِّرات ، ومن قول الزور
والعمل به ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري . اجتهد إن تصوم صوماً صحيحاً
نقيّاً
من
الشوائب والشبهات.
3ـ ومن حكم الصيام : أنّ الصائم يتخلّى قلبه للفكر والذكر ، ولأنّ تناول الشهوات يحصل به الغفلة ، وقد يحصل به قساوة القلب ، ولذا فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى
التخفيف من الطعام والشراب ،
وقد قال المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ ) رواه ابن ماجه (صحيح).
4ـ ومن حكم الصيام : أنّ الغني يعرف نعمة الله عليه بنعمٍ كثيرةٍ لم يحصل عليها الفقير
من
المطاعم والمشارب والنكاح ، فيحمد الله ويشكره ، ويتذكر أخاه الفقير المسلم فيتصدق عليه ، ويعطيه
من
مال الله الذي آتاه ، فيا أيها
الأغنياء : تصدَّقوا على الفقراء في هذا الشهر الكريم (رمضان) ،
وأعطوا عطاء
من
لا يخشى الفقر ،
وجودوا بالمال والخير على إخوانكم المحتاجين ، وكونوا شاكرين لنعم الله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) رواه مسلم..
5ـ ومن حكم الصيام : أنّه يضيق مجاري الدم بسبب الجوع والعطش ، فتضيق مجاري الشيطان في البدن ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ) رواه البخاري .
كما أن الصيام يكسر قوة الشهوة ، ولذلك أيها الشباب ومن في حكمهم : استمعوا لهذا الحديث ، واعملوا به ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ).
والله الموفق...

إعداد/علي بن عوض الشيباني.